للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذِكْرُ حكايته مع الشَّيخ أبي أحمد بن الحدّاد الزَّاهد:

كان أبو أحمد قد انقطع في قريةٍ من بلد المَوْصل يقال لها: الفضلية، ومنها أصله، وهي على فراسخ من الموصل، [(١) حدَّثني أبو بكر القديمي وإسماعيل الشعار -وكانا قد صحبا الشيخ أبا أحمد- قالا: كان سيف الدين يزور الشيخ أبا أحمد]، فقال له يومًا: يا سيف الدين، أيُّ فائدةٍ في زيارتك لي وأنت تشرب الخمر وتبيح المحرمات وتمكس المُسْلمين؟! فإنْ كنتَ تدع هذا، وإلا فلا تجيء إلى عندي. فقال: يا سيدي، أنا تائبٌ إلى الله من جميع ما قلتَ. وتَرَكَ الجميع، وأقام شهرًا، فتحدَّث عليه قُرناء السُّوء، قالوا: هذا مالٌ عظيم، فأعاد الجميع، ورجع إلى ما كان عليه، [وكان للشيخ طاقة على باب الزاوية ينظر من يجيء من دمشق قال: فبينما نحن عنده ذات يوم] (٢) إذا سيفُ الدِّين قد أقبل، وصَعِدَ على الدَّرج، وكان عند الشيخ صاحبه أبو بكر القُدَيمي، فقال له: أغلقِ البابَ في وَجْهه، وقُلْ له: ما لك عندي شغل، وادْفعْه إلى أسفل الدرج. قال أبو بكر القُدَيمي: فخرجتُ، فاستحييتُ منه، فقال لي سيفُ الدين: [يا شيخ] (٣)، افعل بي ما أمرك الشيخ. وأدار ظهره إليَّ، فدفعتُ في ظهره حتى أنزلته إلى أسفل الدَّرج [وقعد يبكي] (٣)، وصاح الجُنْد بأَسْرهم، فأَشار إليهم؛ أنِ اسْكُنوا، ثم قال لي: يا شيخ أبا بكر، اصعدْ إلى الشيخ، وقل له: فما لي توبة؟ [قال] (٣): فصعدت إليه، وأخبرته، فقال: يجوز، ائذن له. فخرجتُ إليه وقلتُ: بسم الله، فدخل على الشيخ، فبكى وقبَّل يده، وتاب إلى الله تعالى، وعاد إلى المَوْصل، فأقام مُدَّةً يسيرة، ومات يوم الأحد ثالث صفر ولم يبلغ ثلاثين سنة، وكانت ولايته عشرَ سنين وشهورًا.

وأراد أن يعهد إلى ولده سنجرشاه، فامتنع أخوه عِزُّ الدين مسعود من ذلك، وقال له مجاهد الدين قيماز وأكابر الأَمراء: قد علمتَ استيلاءَ صلاحِ الدين على البلاد وقُرْبه منا، وسنجرشاه صبيٌّ لا رأيَ له، وأخوك عِزٌّ الدين كبيرُ السن، صاحب رأي وشجاعة، فاعهدْ إليه، واجعَلْه وصيًّا على أولادك. ففعل.


(١) في (ح): وكان سيف الدين يزوره، فقال له يومًا، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) في (ح): فبينا الشيخ ذات يوم، وإذا سيف الدين، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).