للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولد عمر ببُجَيراباد من جُوين ليلة السبت العشرين من جُمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وخمس مئة، وقَدِمَ دمشق حاجًّا في زمن مجير الدِّين أَبَق، فأقام بها يسيرًا، ثم عاد إلى خراسان، ثم قَدِمها سنة ثلاث وستين في أيَّام نور الدين محمود بن زَنْكي، وأقبل نورُ الدِّين عليه، وأحسن إليه، وسأله المُقام بالشَّام ليصل إلى الصُّوفية بدمشق وبَعْلَبَكّ وحِمْص وحماة وغيرها، ولما توفِّيَ نورُ الدِّين وملك البلادَ صلاحُ الدين أقام عمر على حاله منقطعًا إلى العبادة، لم يكن له بصلاح الدين أُنسًا، ولا كان يغشاه، وكان بخانكاه الصُّميصاتي رجلٌ صوفي يعرف بتاج الدِّين مسعود البَنْدَهي، وهو الذي أوقفَ خزانة الكتب بالخانكاه، وكان يغشى صلاح الدين، فسأله يومًا عن عمر، وقال: أيش فيه؟ وما حاله؟ فقصَّر في وصفه، وقال: رجل صوفي في الماء والمحراب، فسكتَ صلاحُ الدِّين، وأقام مدَّة على حاله، واتَّفق وصول صدر الدين عبد الرَّحيم شيخ شيوخ بغداد إلى صلاح الدين رسولًا من الإمام النَّاصر، فنزل بخانكاه خاتون ظاهر دمشق، وبلغه انقطاع عماد الدين عمر، فأرسل إليه يسأله الاجتماع به ويعتذر عن قَصْده، فخرج إليه، فسأله عن حاله، فذكر له طرفًا من حديث البَنْدَهي، فقال: يزول هذا، وبينما هما في ذلك جاء صلاح الدين إلى شيخ الشيوخ، فقال شيخ الشيوخ لعماد الدين: لا تبرح من سَجَّادتي ولا تخرج عنها، وقام شيخ الشيوخ، والتقى صلاح الدين، ودخل وعماد الدِّين قاعدٌ على سجادة صدر الدين، فجلس إلى جانبه، وتأخر شيخ الشيوخ، ووقف في آخر الصُّفَّة، فقام صلاحُ الدين لقيامه، وقال: بسم الله، اجلس، فقال: لو جلس أحد من أجنادك في حضرتك بغير إذنك أما يكون قد أساء الأدب؟ قال: بلى. قال: فأنا من تلامذة هذا الشيخ عماد الدين ومن مريديه، فلا يسعني أَنْ أجلس بحضوره إلا بإذنه، فالتفتَ صلاحُ الدِّين إلى عمر، واعتذر إليه، وقال: نجتمع بخدمتك، ووالله ما عرفتُ مكانك وأصالتك. ولما انصرف صلاح الدين بعث إليه بقُماش وذهب وعِمامة مُذْهبة قيمتها ألف دينار، وترقَّت حاله عنده، وتأخر البَنْدَهي، وبان لصلاح الدين سوء مقصده.


= وكان لأسرة شيخ الشيوخ هذه دور مهم في الدولة الأيوبية. انظر دراسة عنها باسم "العلماء بين الحرب والسياسة في العصر الأيوبي" (أسرة شيخ الشيوخ) للدكتور حامد زيان، طبعت بالقاهرة، ونشرت عن دار الثقافة ١٩٧٨.