للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانهضْ إلى حلب في كلِّ سابقة … سُرُوْجُها قُلَلٌ تُغْني عن القُلَلِ

ما فَتْحُها غيرُ إقليدِ الممالك والدَّ … اعي إليه جميعُ الخَلْقِ والمِلَلِ (١)

فنازل حلبَ في سادس عشرين المحرَّم، ونزل بالمَيدان الأخضر، وباشر القتال بُكْرةً وعشيًّا، وزحف يومًا أخوه تاج الملوك بُوري، فجاء سهمٌ في عينه، فحُمِلَ مريضًا، فمات في الثَّالث والعشرين من صفر، ثم عَلِمَ عماد الدين زَنْكي أَنَّه لا طاقةَ له به، وضجَّ من اقتراح الأمراء عليه، فقال لحسام الدين طُمان: اخرج إلى صلاح الدين وسَلْه في الصُّلْح. [فخرج سرًّا، ولم يعلم به أحد، فقرر الصلح] (٢) وأن يردَّ عليه سنجار وأعمالها والخابور ونصيبين، ويسلم إليه قلعة حلب، وعَلِمَ النَّاسُ، فأصبح الأمراء، فخرجوا إلى صلاح الدِّين، فخلع عليهم، وجَعَلَ أهل حلب تحت القلعة إجَّانة وثيابًا وصابونًا، وصاحوا على عماد الدين: يا فاعل، يا صانع، انزل، فاغسلِ الثياب مثل المخانيث، ما يصلح لك غير هذا. وعملوا فيه الأشعار، [وغنوا بها في الأسواق] (٢)، منها: [من المتقارب]

وبعتَ بسنجارَ خيرَ القِلاع … ثَكلتُكَ من بائعٍ مشتري

[(٣) فلما كان اليوم الثالث والعشرين من صفر توفي تاج الملوك أخو السلطان، فحزن عليه حزنًا عظيمًا، وجلس للعزاء، ونزل إليه عماد الدين، فالتقاه السلطان، وأكرمه وأخدمه]، وقدَّم له الخيول العِتاق والتُّحَف الجليلة، وعاد [عماد الدين] إلى القلعة، وأقام السُّلْطان كئيبًا حزينًا على أخيه، وكان يبكي ويقول: ما وَفَتْ حلب بشعرة من أخي. [وقيل: إنه قال: ما غلت حلب ببوري، والأول أليق بالسلطان، لأنه ما كان في البيت مثل بوري] (٢).


(١) ديوان ابن الساعاتي: ٢/ ٣٨٢ - ٣٨٤.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) في (ح): ولما مات بوري حزن عليه السلطان وخدمه وأكرمه وقدم له … ، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).