ذِكْرُ فَتْحِ عكَّا -[وفيها لغتان: المدّ، والنسبة إليها عكاوي،](١) وعكه بالهاء- وسار السُّلْطان من طبرية، فنازل عكه يوم الأربعاء سَلْخ ربيع الآخر، وليس بها مَنْ يحميها، لأَنَّ وقعة حِطِّين أبادتهم، وكانوا ثلاثين ألفًا، فطلبوا منه الأمان على نفوسهم، وما يقدرون على حَمْله، فأمَّنهم، ودخَلَها يوم الجُمُعة غُرَّة جمادى الأُولى، وكان بها من أسارى المسلمين أربعة آلاف، فاستنقذهم، وجعل الكنيسة جامعًا، وولَّاها ولده الأفضل، وولَّى القضاء والخطابة والإمامة لعبد اللطيف بن أبي النَّجيب السُّهْرَوَرْدِي، وغَنِمَ المسلمون أموالًا لا تُحصى، لما دخلوا عكا رَكَزَ كلُّ واحدٍ رُمْحه على دارٍ، فأخذها وما فيها، وأعطى [السُّلْطان](١) الفقيه عيسى جميعَ ما يختصُّ بالدَّاوية، ولم يحضر هذا الفتوح العادل، كان بمِصْر، فجاء، ففتح في طريقه مجدل يابا ويافا، وحضره الملك العزيز لأَنَّه قَدِمَ مع العسكر المِصْري، ومضى إلى مِصْر، وما عاد اجتمع بأبيه، وفارقه في شعبان والسُّلْطان على صور.
وكتب العماد الكاتب إلى بغداد كتابًا أَوَّله: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] والحمدُ لله على ما أنجز من هذا الوَعْد، وعلى نُصْرته لهذا الدِّين الحنيف من قَبْلُ ومن بعد، وجَعَلَ من بعد عُسْير يُسْرًا، وأحدث بعد أمرٍ أمرًا، وهوَّن الأمر الذي ما كان الإسلام يستطيع عليه صَبْرًا، وخُوطب الدِّين بقوله: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيكَ مَرَّةً أُخْرَى﴾ [طه: ٣٧] فالأُولى في عَصْر النَّبيِّ ﷺ والصحابة، والأُخرى في هذه الدَّولة التي عَتَقَ فيها من رِقِّ الكآبة، والزَّمان كهيئته قد استدار، والحقّ ببهجته قد استنار، والكُفْر قد رَدَّ ما عنده من المُسْتعار.