للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووصل إليه من بغداد تاجُ الدِّين أبو بكر حامد أخو العماد الكاتب، فالتقاه السُّلْطان وأكرمه، فكان معه رسالة وتذكرة مشحونة بالعتاب على أسباب: منها أَنَّ الخليفة عتبه لأجل ابن البُوشَنْجي، ويلقب بالرَّشيد، وكان صبيًّا [ببغداد] (١) لا يُؤبه إليه، فخرج إلى الشَّام، واتَّصل بصلاح الدين، وقيل له: هذا من بيتٍ كبير، وكان أديبًا، فأعجب السُّلْطان، فسأله أن يبعثه إلى بغداد في رسالة، فبعثه، فشقَّ على الخليفة، وقال: ما كان عنده غير هذا! وقصَّروا في حقِّه، فلما عاد إلى السُّلْطان تكلَّم بكلمات، وقال: ما التفتَ عليَّ وأُهِنْتُ.

ومنها أنَّ كلَّ من هَرَبَ من بغداد ولجأ إلى السُّلْطان يقبل عليه مثل تميرك وابن رئيس الرؤساء وابن هُبيرة وابن أبي النَّجيب وأمثالهم. ومنها مشاركته في لقب الخليفة بالنَّاصر، وأشياء من هذا الجنس، ثم قال في آخره: ويمنُّ علينا بفتح القدس، وهل فتح إلا بعساكر الدِّيوان وتحت راياته؟

فاستشاطَ السُّلْطان غضبًا، وقد كان يرجو أن يأتيه الكتاب من الخليفة يشكره على ما فعل، ثم قال السُّلْطان لأخي العماد: أما ابنُ البُوشَنْجي فمن عندكم جاء، وقيل لي: إنَّه من بيتٍ كبير، وصحبني، وسألني إنفاذه إلى بغداد ليمنَّ على أهله ويتجمَّل بكم، فما أمكنني رَدَّ سؤاله، وأما الدِّين التجؤوا إليَّ من أرباب البيوت، فإنَّ الإنسان قد يلتجئ إلى كوخِ عجوز في البرية، فيجيره من القتل، فأنا فعلتُ فِعْلَ العرب، وحَفِظْتُ الذِّمام، وعرفتُ حقَّ من قَصَدني ولجأ إليّ، وصُنْتُهم أيضًا عن الحاجة إلى النَّاس، فيصير ذلك عارًا عليكم.

وأما مشاركتي في اللَّقب، فوالله إنني ما اخترته ولا اقترحته، ولكن لما أزلتُ دولةَ عدوه القائمة من مئتي سنة وكسر، وفعلتُ ما فعلت، لقبني المستضيء بهذا اللقب، وكتَبَ من بغداد إلى نور الدِّين بذلك، ولم يكن في زمانكم، ثم لو وقع هذا، ففي عسكري عشرة آلاف تركماني وكُرْدي لَقَبُ كلِّ واحدٍ صلاح الدين، فلِمَ لا أفكر عليه؟


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).