لأصحابه: يحدث ها هنا حادثة عظيمة. وكان عنده ودائع للنّاس، فردَّها [على أصحابها](١)، وقال لخادمه: يا عبدَ الحميد، لك فيما يجري نصيب، فبعني إياه بالدولة تكون لك -والدولة بستان إلى جانب الرِّباط- فقال: ما أبيعك نصيبي بالجَنَّة، ولم يفهم إشارةَ الشيخ، فلما كان يوم الجمعة تهيأ الشيخ للصَّلاة، وكان أصحابه يأتون قبيل الصَّلاة، فيحملونه في المِحَفَّة إلى الجامع، فجلس عبدُ الحميد والإسماعيليان يقمعون باقِلَّى لأجل الإفطار عليه، والشيخ جالس [على](١) تختٍ صغير، وإلى جانبه طاقة إلى أهله لا تُفْتح إلا في وقت الحاجة، فقام أحدُ الإسماعيليين، فأغلق باب الرِّباط، وجاء الآخر إلى الشيخ، فقال: يا سيدي، ناولني يَدَك لأقبلها. فأعطاه يده، فصافحه باليسار، فقال: ويحك! وأين اليمين؟ فقال: هو ذا هي. وأخرج يده اليمنى وفيها السِّكِّين، فضربه بها في جَوْفه، فسقط ما في بطنه على التخت، وماتَ، وضَرَبَ الآخرُ عبدَ الحميد، فقتله، وقطعا خيط الباب، فوقع الصَّارخ وهربا، [وكان ابن قائد قد جاوز التسعين](١)، ومرَّا بين البساتين [ولم يعلم أحد، فمرَّا](١) على فلاحٍ يسقي بُسْتانًا، وبيده مَرٌّ [يعدل به الماء، فرآهما مريبين](١)، فَحَمَلَ على أحدهما فضربه بالمَرِّ، فَفَلَقَ رأسه فوقع ميتًا، وحَمَلَ الآخرُ على الفلاح، فاتَّقاه بالمَرِّ [ثم ضربه بالمرّ](١)، فقتله، وذلك إلهامٌ من الله تعالى، ثمَّ وقف [الفلاح](١) يفكر ويقول: لِمَ قتلت هذين وعليهما زِيُّ الفقراء؟
وأما الشيخ محمد، فإنَّ أصحابه جاؤوا بالمِحَفَّة على العادة، فوجدوا الباب مُغْلقًا، فعالجوه، [فلم يقدروا على فتحه،](١) فكسروه، ودخلوا، وإذا بالشيخ على التَّخْت وأمعاؤه بين يديه، وعبد الحميد مقتولٌ عند التخت، فصاحوا، وانقلبت أَوانا، وبَطَلَتْ صلاةُ الجمعة، ولم يبق بأَوانا أحدٌ إلا وقَصَدَ الرِّباط، ولفوا الشيخ في ثيابه، ودفنوه على حاله، وكان تحته جِلْدُ غَزال -قال المصنف ﵀: وقد شاهدتُ دمه في سنة ست مئة وهو طريٌّ على الجلد- ودُفِنَ في الرِّباط، وسأل الناسُ عن الفقيرين، فعدما، فتيقنوا أنهما قُتِلا، وأما [الفلاح](١) الذي قتلهما، فلما سمع الضجة جاء إلى الرباط،