يديه الفقيه عيسى يحرِّضُ النَّاس على الجهاد، [ويرغبهم في الثواب](١)، فتحركت ميسرةُ الفرنج، فتأخَّر تقي الدين طمعًا في خروجهم عن الرّاجل، وطمع الفرنج، وحملوا على طرف الميمنة، وجاءتِ الحملةُ على الدّياربكرية، ولم يكن لهم خبرةٌ بالحرب، فانهزموا، فتبعهم الفرنج إلى تل العياضية، وعليه خيمةُ السلطان، فدخلوها وقتلوا [جماعة من خواص السلطان، منهم جمال الدين](١) إسماعيل المكبِّس، وابن رواحة، وطشت دار السلْطان، وبلغت هزيمة الميمنة إلى الأُقحوانة، ويقال: دخل بعضهم دمشق، وبلغ الأفضل إلى عقبة فيق، ولما رأى السُّلْطان ذلك صاح: كذب الشيطان. وحَمَلَ عليهم، وقال للميسرة: احملوا. فحمل الجميع، فطحنوا الفرنج طحنًا، وقتلوا منهم عشرة آلاف، وأسروا [منهم](١) خَلْقًا كثيرًا، وقُتِلَ من المُسْلمين مئة وخمسون ممن لا يؤبه له، وقُتِلَ الظَّهير أخو الفقيه عيسى، فعزّاه النَّاس، فضحك وقال: هذا يوم هناء.
ولما انكسرت الميمنة نهب بعضُ النَّاس خيامَ بعضٍ لخلوّها، فذهبت أموالُ النَّاس، وعاد السُّلْطان فرأى النهب، فساءه ذلك، فأرسل إلى المنهزمين، فعادوا، فأمر برَدّ خيامهم وأموالهم، ثم ارتفع السُّلْطان إلى الخَرُّوبة خوفًا على النَّاس من روائح القَتْلى، ولما ارتفع وبَعُدَ عن عكا طمع الفرنج، وشرعوا في حَفر الخنادق عليهم من البحر إلى البحر، وغلَّق أهلُ البلد الأبواب، وبان حينئذٍ ضعف الرأي، فإنَّ الرحيل عن تل كيسان كان سببًا لأخذ عكا، وانقطعت الطُّرق إلى عكا.
وقَدِمَ الحاجب لؤلؤ بالأُسْطول من مِصْر، فأحرق عِدَّةً من مراكب الفرنج، ودخل جماعةٌ إلى عكا معهم الميرة والعُدَّة، وقَدِمَ العادلُ بعساكر مِصْر.
وفي رمضان وَصَلَتْ مراكبُ الفرنج، وفي جُمْلتها بطسة كبيرة فيها ثلاث مئة إفرنجية مُسْتحسنات لإسعاف الغرباء، لا يمنعن كَفَّ لامس، وبلغ المسلمين ذلك، فهرب إليهن جماعةٌ من الغِلْمان، وكان في المراكب امرأة معها خمس مئة فارس بخيولهم وعُدَدهم، وكان النّساء يخرجن فيقاتلن في زِيِّ الرجال.