من علمائهم، وحكَّم الثلاث مئة اثني عشر، وحكَّم الاثني عشر ثلاثة، على عادتهم في النَّوازل، فباتوا يتشاورون، فترجَّح عندهم الرَّحيل، وقالوا: السُّلْطان حاضر ومعه العساكر [فارحلوا](١)، فرحلوا طالبين عكا، وكانوا قد أخذوا يافا وحصَّنوها، فأقام السُّلْطان بالقُدْس حتَّى تيقَّنَ وصولهم إلى عكا، وخَرَجَ، فنزل على يافا وحَصَرَها، وتعلَّق النقابون في الأسوار، وملك المدينة، وأشرفوا على أَخْذ القلعة، فصاح أهلُها: الأمان. ونَهَبَ المسلمون البلد، فوقف مماليك السُّلْطان على الأبواب، كلُّ مَنْ خرج ومعه شيء أخذوه، وعَزَّ ذلك على الأمراء والأكراد، وسَلَّموا القلعة، وبَعَثَ السُّلْطان إليها جماعةً من أصحابه، وبقي فيها [من](١) الفرنج أربعون رجلًا، فبينا هم على ذلك [إذ](١) لاحت مراكبُ يسيرة، فرأوا عَلَمَ السُّلْطان عليها، [فظنوا أنَّه قد أخذها،](١) فتوقفوا، وقويت نفوس الفرنج الذين بقوا في القلعة، وعلموا أَنَها مراكب الإنكتار، فرمى واحدٌ نفسه في الماء، وسَبَحَ إليهم، وقال: تقدَّموا، فارسوا إلى الميناء، وكانت خمسة وثلاثين مركبًا، ووصل الإنكتار، فهرب المسلمون من البلد، وتأخَر السُّلْطان إلى يازور، وجاء الإنكتار، فنزل في منزلة السُّلْطان، ولم يكن معه سوى عشرين فارسًا وثلاث مئة راجل وعشرين خيمة، والسُّلْطان في ألوف، فبعث إلى السُّلْطان يقول: أنت سُلْطان عظيم، ومعك هذا الجيش الكبير ومُعْظم عساكر المسلمين، فكيف رَحَلْتَ عن منزلتك عند وصولي وليس معي أحد، ولا طلعتُ من البحر إلا بزربولي؟! فغَضِبَ السُّلْطان، وبات على غضب، فلما أصبح ركب وركبتِ العساكر، والإنكتار نازلٌ على حاله لم يصل إليه من الفرنج أحد، فحمل عليه المسلمون وهو في عشرين فارسًا وثلاث مئة راجل، فلم يتحرَّك، فَعَظُمَ على السُّلْطان، وصاح بالأطلاب: ويحكم! وكم معه وأنتم عشرة آلاف وزيادة؟! فلم يجبه أحد، وقال له الجناح أخو المشطوب: قل لعلوقك الذين ضربوا النَّاس بالأمسِ وأخذوا كسبهم يحملوا. وكان معظم العساكر على مثل رأي الجناح.
ويقال: إن الإنكتار أخذ رمحه، وحمل من طرف الميمنة إلى طرف المَيسرة، فلم يَعْرِضْ له أحد، وساق السلْطان من غضبه إلى الأطرون، فنزل في خيمةٍ صغيرة وحده، وانفرد، ولم يتجاسر أحدٌ أن يكلِّمه.