للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودونكم طيبُ النساء فإنما … جُعِلْتُم لأَثواب العروسِ وللغُسلِ

فلو أننا كنا الرجالَ وأنتمُ … نساءٌ لكُنَّا لا نُقِرُّ على الذلِّ

فموتوا كراماً واصبِروا لعدوِّكُم … بحربٍ تَلظَى بالضّرامِ من الجَزْلِ (١)

فيَهلِك فيها كلُّ خَبِّ مُخادعٍ … ويَسلم فيها ذو النَّجابَةِ والفَضْلِ

فلما سمعت جَديس ذلك غضبت، فقال لهم أخوها الأسود وكان فيهم مُطاعاً: يا جَديس، أطيعوني. قالوا: وما ذاك؟ قال: قد عَلمتُم أن طَسْماً ليسوا بأعزَّ منكم، وإنما تمليكُ عملوق علينا، وميلُه إليهم، هو الذي فعل بنا ما فعل، وإني صانعٌ لهم طعاماً، وأَدعوا عملوقاً وطسماً إليه، فإذا جاؤوا قَتلتُ أنا عملوقاً، واقتلوا أنتم رؤساءهم. وصنع طعاماً، وأَحضرهم، وقتل عملوقاً، وقتلوا رؤساءهم حتى أفنَوْهم، ولم يُفْلِت من رؤسائهم إلا رياح بن مُرّة، فهرب إلى حسان بن تبع فأخبره، وقال: قد انْتُهِكَ من طَسْم ما لم يُنْتَهَك (٢) من أحد. فسار حسان إليهم بقبائل حِمْير وهم باليمامة، فلما بقي بينه وبينها ثلاثة أيام قال رياحٌ لحسان: أيها الملك، أخشى من امرأة في جديس ليس في الدنيا أبصرُ منها، إنَّها لتُبصرُ الرّاكب من مسيرة ثلاثة أيام، وأخافُ أن تُنذِرَ القَوْمَ، فلو أمرتَ أصحابك أن يحمل كلّ واحد منهم شجرة ويجعلها أَمامه، فأمرهم حسان بذلك.

ونظرت زرقاءُ اليمامة إلى القوم من مسيرة ثلاثة أيام، فأنذرت قومها، وقالت: يا جديسُ، لقد سار إليكم الشجرُ من ورائها الرجال، وأرى فيهم رجلاً يَخصِفُ نعلاً، وآخر يَنْهَشُ كَتِفاً، فكذَبوها، فقالت: [من البسيط]

إني أَرى شجراً من خَلْفِه بشَرٌ … فكيف تجتمعُ الأشجارُ والبشرُ

ثوروا بأجمَعِكم في صَدْر أوّلهِ … فإن ذلك منكم فاعلَموا ظَفَرُ

ثم قالت:

أُقسم بالله لقد دَب الشَّجر … أو حِمْير قد أخذت شيئاً يُجَرّ


(١) في (ب) و (خ): بالكرام من الذل؟! والمثبت من مروج الذهب ٣/ ٢٨٠.
(٢) في (ب): انهتك. . . تنتهكه، وفي (خ) و (ك): وقال: هل من طسم ما لم ينتهله، والمثبت من مروج الذهب ٣/ ٢٨٤.