للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الزَّكاة، فإنَّه مات ولم تجب عليه قَطُّ، وأما صدقة النَّوافل فاستنفدت أمواله كلَّها، وكان يحبُّ سماعَ القرآن، ويتخيَّر إمامه، واجتاز يومًا على صبيٍّ صغير بين يدي أبيه وهو يقرأ القرآن، فاستحسن قراءته، فَوَقَفَ عليه وعلى أبيه مزرعة.

[قال:] (١) وكان شديدَ الحياء، خاشعَ الطَّرْف، رقيقَ القلب، سريعَ الدَّمعة، شديدَ الرَّغبة في سماع الحديث، وإذا بلغه عن شيخٍ رواية عالية، وكان ممن يحضر عنده استحضره، وسمع عليه، وأسمع أولاده ومماليكه، ويأمرهم بالقعود عند سماع الحديث إجلالًا له، وإن لم يكن ممن يحضر عنده، ولا يَطْرُقُ أبواب الملوك سعى إليه، [وسمع منه، وروى عنه، وتودد إليه، ومضى إلى الإسكندرية، وسمع الحديث الكثير من الحافظ السِّلَفي، ومن ابن عوف "الموطأ"،] (١) وكان مُبْغضًا لكُتُبِ الفلاسفة وأرباب المنطق، ومن يعاند الشريعة، ولما بلغه عن السُّهْرَوَرْدي [ما بلغه أمر ولده الملك الظاهر بقتله (٢).

وكان محبًّا للعدل، يجلس له] (١) كل يوم اثنين وخميس في مجلسٍ عام، يحضُره القُضَاة والفقهاء، ويصل إليه الكبير والصَّغير، والشيخ والعجوز، وما استغاثَ إليه أحد إلا وأجابه، وكَشَفَ ظُلامته.

واستغاثَ إليه ابنُ زهير الدِّمَشْقي على تقي الدين عمر، وقال: ما يحضر معي مجلس الحكم، فأمر تقي الدين بالحضور معه، [وكان أعز الناس عليه تقي الدين. قال:] (١) ولقد ادَّعى رجل على السُّلْطان أَنَّ سُنْقُر الخِلاطي مملوكه ماتَ على ملكه. قال ابنُ شداد: فأخبرته، فأحضر الرجل، وتزحزح عن طرَّاحته، وساواه في الجلوس، فادَّعى الرجل، فرفع السُّلْطان رأسه إلى جماعةِ الأُمراء الشيوخ الأخيار، وهم وقوفٌ على رأسه، فقال: لمن تعرفون سُنْقُر الخِلاطي؟ قالوا: نشهد أَنَّه مملوكك، وأنه ماتَ على ملكك. ولم يكن للرجل بينة، فأُسْقِط في يده، فقلتُ: يا مولانا، رجل غريب، وقد جاء من خِلاط في طَمَع، ونَفِدَت نفقته، وما يحسن أن يرجع عن المولى خائبًا. فقال: يا قاضي، هذا إنما يكون على غير هذا الوجه. ووهب له خِلْعة، ونفقةً وبغلة، وأحسن إليه.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) سلفت ترجمة السهروردي في ج ٢١/ ٣٩٦ من هذا الكتاب.