للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهيجاء وأزكش في الليل، وقصدا دمشق، فأصبح العزيز، فلم يَرَ في الخيام من الأسدية أحدًا، فرجع إلى مِصْر، وشرع أزكش وأبو الهيجاء والأسدية يحرِّضون العادل على مِصْر، وكانت الأسدية والأكراد يكرهون العادل، وإنما دَعَتْهم الضَّرورة إليه، وهي مباينتهم للعزيز، واتَّفق العادل والأفضل، وتحالفا، وساروا خلف العزيز إلى مِصْر، فلما وصلوا القُدْس، ولّوا أبا الهيجاء كما كان، وعزلوا جُرْديك عنها، وساروا فنزلوا بِلْبيس، وبها جماعة من الصَّلاحية، فتوقَّف العادل عن القتال، ولمَ انتزاعُ مِصْر من يد العزيز! فظهرت منه قرائن أحوال تدلُّ على أَنَّه لا يُؤْثر السَّلْطنة للأفضل، ولا يرى تقدمته عليه، فأرسل إلى العزيز يطلب القاضي الفاضل، وكان قد اعتزلهم، وانقطع إلى داره، فارسل إليه العزيز يسأله، فامتنع، فتضرَّع إليه، وأقسم عليه، فخرج إلى العادل، فاحترمه وأكرمه، وتحدَّث معه بما قرَّره، وعاد الفاضل إلى العزيز، وتحدَّث معه، فأرسل العزيز ولديه الصّغيرين مع خادبم له برسالةٍ ظاهرة، مضمونها: لا تقاتلوا المُسْلمين، ولا تسفكوا دماءهم، قد نفَّذتُ ولديَّ هذين يكونان تحت كفالة عمي العادل، وأنا أترك لكم البلاد، وأمضي إلى الغرب. وكان ذلك بمشهدٍ من الأمراء، فَرَقَّ العادل وبكى، وبكى مَنْ حضر، وقال العادل: معاذ الله، ما وَصَلَ الأمر إلى هذا الحد. وقال للخادم: تقول للسُّلْطان عني (١): البلاد بلادُك، وأنتَ السُّلْطان، ونحن رعيتك.

وكان قد قرَّر مع الفاضل رَدَّ خبز الأسدية وإقطاعهم وأملاكهم، وأن يبقى أبا الهيجاء على ولاية القُدْس، وقال للأفضل: المصلحة أن تمضي إلى أخيك وتصالحه، وما عُذْرنا عند الله وعند النَّاس إن فعلنا بابنِ أخينا ما لا يليق. ففهم الأفضل أَنَّ العادل رجع عن يمينه، وما اتَّفقا عليه، وأَنَّه قد اتَّفق مع العزيز على أَخْذِ البلاد منه، لكنه لم يمكنه الكلام، فمضى إلى العزيز.

فلما بلغه وصوله إلى دمشق في ذي الحِجَّة، ودخل العزيز والعادل والأسدية إلى القاهرة يوم الخميس رابع ذي الحجة، وسَلْطَن العادلُ العزيزَ، ومشى بين يديه بالغاشية، ولو أراد العادل مِصْر لأخذها، وإنما قَصَدَ الإصلاح بين الأخوة، فلما بدا من الأفضل في حَقِّه ما بدا، وأراد قتله ألجأه إلى ما ألجأه إليه.


(١) في (ح): وقال الخادم للسلطان عني تقول، وهي عبارة مضطربة، أعدتها إلى حاق تركيبها.