للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العقيقي، فدخل عليهما، وبكى بكاء شديدًا، فأمره العزيز بالانتقال إلى صرخد، فأخرج وزيره الجزري في الليل في جُمْلة الصَّناديق خوفًا عليه من القَتْل، فأخذ أموالًا عظيمة، وهَرَبَ إلى بلاده، وكان العزيز قد قرَّر مع العادل أن يكون نائبه بمِصْر، ويقيم الحزيز بدمشق، ثم ندم، فأرسل إلى الأفضل رسالة فيها صلاح حاله، [فأذاعها و] (١) وصلت إلى العادل، فغضب العزيز، ورَسَمَ عليه بالخروج، فخرج إلى مسجد خاتون بأهله وعياله، وسلَّم العزيز بُصْرى إلى العادل، وكان بها الظَّافر، وأقام العزيز بدمشق أربعة أيام، وصلَّى الجمعة عند مكان قبر والده بالكلاسة، وأمر ببناء القُبَّة والمدرسة إلى جانبها، وأمر محيي الدِّين بن زكي الدين بعمارة المدرسة العزيزية، ونُقِلَ السُّلْطان إلى الكلاسة في سنة اثنتين وتسعين وخمس مئة، وكان الأفضل قد شَرَعَ في بناء تُرْبة عند مشهد القدم بوصيةٍ من السُّلْطان، فإنه قال: تكون تربتي على الجادَّة ليمر بها الصَّادر والوارد، فيترحم عليّ. فارتفع منها قامة، وجاء العزيز، فحصر دمشق وأخربها، وكان العزيز إذا جلس في مجالس لهوه يجلس العادل على بابه كأنه بردار (٢)، فلما كان آخر ليلة من مقامه بدمشق، وكانت ليلة الاثنين تاسع شعبان قال العادل لولده المعظم: ادخل فقبِّلْ يده، واطلب منه دمشق. وكان المُعَظَّم قد راهق الحُلُم، فقبَّل يده، وطلب منه دمشق، فدفعها إليه، وأعطاه سنجقه، وقيل: بل استنابه العادل فيها، وأعطاها للمعظم على ما نبين في سنة أربع وتسعين، ورحل تاسع شعبان إلى مِصْر، ومضى الأفضل إلى صَرْخَد، ونفى العادلُ ابنَ الحمصي الَّذي فتح له باب شرقي، وكان قد أعطاه عشرة آلاف دينار، فاستردَّها منه، واجتاز العزيز في طريقه إلى مصر بالقُدْس، فَعَزَلَ أبا الهيجاء السَّمين عنه، وولاه سُنْقُر الكبير، ومضى أبو الهيجاء إلى بغداد، [وسنذكره] (١).

وحج بالنَّاس سُنْقُر الكبير النَّاصري من بغداد.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) البردار: يكون في خدمة مباشري الديوان، وأصله فرادار بمعنى: ممسك الستارة، وكأنه في أول الوضع كان يقف بباب الستارة، ثم نقل إلى الديوان. انظر "التعريف بمصطلحات صبح الأعشى": ص ٦٢.