للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما قرأ يعقوب الكتاب استشاط غضبًا، وأدركته حَمِيَّة الإسلام، والغيرة على الإيمان، فكتب على رأس الكتاب بخطِّه: ﴿ارْجِعْ إِلَيهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل: ٣٧].

وكتب تحت الآية: [من الطويل]

ولا كُتْبَ إلا المَشْرَفية عندنا … ولا رُسْلَ إلا بالخميس العَرَمْرَمِ

ثم قام من ساعته، فشدَّ ذنب فرسه بيده، ولبس سلاحه، وسار إلى زقاق سبتة، فنزل عليه، وجمع الشَّواني والمراكب، وعَرَضَ جُنْده، فكانوا مئتي ألف مقاتل، مئة ألف يأكلون الدِّيوان، ومئة ألف مطاوعة، وعبر الزقاق إلى مكانٍ يقال له: الزلاقة (١)، وجاءه الفنش في مئتي ألف وأربعين ألفًا من أعيان الفرنج والمقاتلة، والتقوا، فجرى بينهم قتالٌ لم يجر في جاهليةٍ ولا إسلام، ثم أنزل الله نَصْره على المُسْلمين، فولى الفنش هاربًا في نفرٍ يسير إلى طُلَيطُلة، وغَنِمَ المُسْلمون ما كان في عسكره، وكان عِدَّةُ من قُتِل من الفرنج مئةَ ألف وستة وأربعين ألفًا، وعِدَّة الأسارى ثلاثون ألفًا، ومن الخيام مئة ألف خيمة وخمسون ألفًا، ومن الخيل ثمانون ألفًا، ومن البغال مئة ألف، ومن الحمير أربع مئة ألف حمار يحمل أثقالهم، لأَنَّهم لا جمال عندهم، ومن الأموال والجواهر والثياب ما لا يُحدّ ولا يحصى، وبِيعَ الأسير بدِرْهم، والسَّيف بنصف دِرْهم، والحصان بخمسة دراهم، والحمار بدرهم، وقسم يعقوب الغنائمَ بين المُسْلمين على مقتضى الشريعة، فاستغنوا إلى الأبد.

ووصل الفنش طليطلة على أقبح حال، فَحَلَق رأسه ولحيته، ونكَّس صليبه، وآلى أن لا ينام على فراش، ولا يقرب النِّساء، ولا يركب فرسًا ولا دابة حتَّى يأخذ بالثأر، وأقام يجمع من الجزائر والبلاد ويستعدّ، وقيل: كانت هذه الوقعة سنة تسعين.

وحج بالنَّاس من بغداد سنجر النَّاصري، ومن الشام سراسُنْقُر وأيبك فطيس الصَّلاحيان، [ومن مصر الشريف إسماعيل بن ثعلب الجعفري؛ من ولد جعفر بن أبي طالب] (٢).


(١) انظر حاشيتنا رقم ٢ ص ٤٠ من هذا الجزء.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).