للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

همذان، ومات تلك الليلة على باب همذان، وكبسهم ميالجق وهو في خمسة آلاف وهم في عشرين ألفًا، والتقوا، فكسرهم ميالجق كسرةً شنيعة أشنع من كسرة ابن يونس، عادوا إلى بغداد عرايا جياعًا، قد تقطَّعت أقدامهم من المشي، فلو تبعهم ميالجق مرحلة ما أبقى منهم أحدًا، وكان الوزير لما مات أرادوا أن يعفوا قبره، فأدركهم ميالجق، فدفنوه في سقاية على باب هَمَذَان، فسأل ميالجق عنه، فدُل عليه، فنبشه، وقطع رأسه، وبعث به وبأعلام الخليفة والكوسات والمهد والخزائن، وكان فيها ألف ألف دينار وجواهر بمثلها، وكانت الواقعة غُرَّة شعبان، فوصلوا إلى بغداد في رابع عشر رمضان.

ثم جاء خوارزم شاه إلى همذان على البلاد إلى باب بغداد، وبعث إلى الخليفة يطلب السَّلْطنة، واعادة دار السلطنة إلى ما كانت عليه، ويجيء إلى بغداد، ويكون الخليفة من تحت يده كما كان السَّلْجوقية، فانزعج الخليفةُ وأهلُ البلد، وغلتِ الأسعار، وولى الخليفة نصير الدين ناصر بن مهدي العلوي نقابة الطَّالبيين، ثم استوزره بعد ذلك، ورتَّب ابن البخاري في نيابة الوزارة، وعزل شمس الدين بن القَصَّاب، فإنه كان ينوب عن أبيه.

وفيها كانت وقعة يعقوب [بن يوسف] (١) مع الفنش أيضًا. قد ذكرنا أنَّه حَشَدَ وجمع جَمْعًا أكثر من الأول، فالتقوا، فهزمه يعقوب، وساق خلفه إلى طُلَيطُلة، وضربها بالمجانيق، وضيَّق عليها، ولم يبق إلا فَتْحُها، فخرجت إليه والدة الفنش وبناتُه ونساؤه وأهلُه، وبَكين بين يديه، وسألْنَه إبقاءَ البلد عليهن، فَرَقَّ لهن، ومَنَ عليهن بها، ووَهَبَ لهن المال والجواهر، ورَدَّهن مكرمات بعد القُدْرة، ولو فتح طُلَيطُلة لفتح إلى مدينة النحاس (٢)، وعاد إلى قرطبة، فأقام شهرًا يقسم الغنائم، وجاءته رُسُل الفنش تسأله الصُّلْح، فصالحه مُدَّة، وأمَّن أهل الأندلس، وقيل: إن هذه الوقعة كانت إحدى وتسعين [وخمس مئة] (١).


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) هي مدينة خيالية لا وجود لها، ذكرها المسعودي في "مروج الذهب"، وذكر أن موسى بن نصير فتحها، نقل ذلك ونقضه ابن خلدون في "مقدمته": ١/ ٣٣٠، وقد ذكرت كذلك في "ألف ليلة وليلة": ٣/ ١٤١، (طبعة بولاق).