-رحمة الله عليه- إلى وقت صلاة الجُمُعة، وكان في تموز، وأفطر خَلْقٌ كثير ممن صحبه، ورموا نفوسهم في خندق الطَّاهرية في الماء، وما وصل إلى حُفْرته من الكفن إلا قليل، ونَزَلَ في الحُفْرة والمؤذِّنون يقولون: الله أكبر، وحَزِنَ النَّاسُ عليه حُزْنًا شديدًا، وبكوا بكاءً كثيرًا، وباتوا عند قبره طول شهر رمضان يختمون الختمات بالقناديل والشُّموع والجماعات، ورآه في تلك الليلة رجلٌ صالح من أهل الحَرْبية -محدِّث اسمه أحمد بن سلمان، ويلقب بالشُّكْر- في منامه وهو على منبرٍ من ياقوت مرصَّع بالجواهر، وهو جالسٌ في مقعد صِدْق، والملائكة جلوس بين يديه، والحقُّ سبحانه حاضر يسمع كلامه. [وأصبحنا يوم السبت] (١) وعملنا عزاءه، وتكلَّمْتُ فيه، وحَضَرَ خَلْقٌ عظيم، وقام الفاخر العَلَوي من أهل مشهد موسى بن جعفر ﵇، فأنشد: [من الكامل]
الدَّهْرُ عن طَمَعٍ يُغر ويخدعُ … وزخارفُ الدُّنيا الدَّنِيَّةِ تُطْمِعُ
وأعِنَّةُ الآمالِ يُطْلِقُها الرَّجا … طَمَعًا وأسيافُ المَنِيَّة تَقْطَعُ
والمرءُ مَعْ عِلْمٍ بها متشوِّفٌ … أبدًا إلى نَيلِ المُنَى مُتَطلِّعُ
يا لاهيًا أَمِنَ الحوادثَ غِرَّة … يغدو بصفو زمانه يتمتَّعُ
الشَّيبُ يا مغرورُ يأنفه الرَّدى … أأمنتَ مِنْ حَدَثانِهِ ما تَفْزَعُ
والموتُ آتٍ والحياةُ مريرةٌ … والنَّاس بعضُهمُ لبعضٍ يَتْبَعُ
وأخو البصيرةِ مَنْ لخيرٍ زارعٌ … والمرءُ يحصُدُ في غدٍ ما يَزْرَعُ
واعلمْ بأنَّك عن قليلٍ صائرٌ … خَبَرًا فكُنْ خَبَرًا لخيرٍ يُسْمَعُ
لعُلا أبي الفَرَجِ الَّذي بعد التُّقى … والعِلْم يوم حواه هذا المضجعُ
ما زال منتصرًا لمذهبِ أحمدٍ … بالحقِّ والحُجَجِ التي لا تُدْفَعُ
حِبْرٌ عليه الشَّرْعُ أصبحَ والهًا … ذا مُقْلَةٍ حَرَّى عليهِ تَدْمَعُ
مَنْ للفتاوى المُشْكلاتِ وحلِّها … مَنْ ذا لِخَرْقِ الشَّرْع يومًا يَرْقَعُ
مَنْ للمنابرِ إن تفاقَمَ خَطْبُها … ولرَدِّ مسألةٍ يقولُ فَيُسْمِعُ
مَنْ للجِدال إذا الشِّفاه تقلَّصتْ … وتأخَّر القَرْمُ الهِزَبْرُ المِصْقَعُ
مَنْ للدَّياجي قائمًا ديجورَها … يتلو الكتابَ بمُقْلَةٍ لا تَهْجَعُ
(١) في (ح): وعملنا يوم السَّبت عزاءه، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).