للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرأتُ على الشيخ موفق الدِّين الحنبلي، وداود بن ملاعب، وابن صَصْرى، وخَلْق كثير.

وصحبتُ الشيخ أبا عمر شيخ المقادسة، وشاهدتُ منه من الزهد في الدُّنيا والورع والفَضْل والتواضع، ومن أخيه الشيخ موفق الدين، ونسيبه الشيخ العماد ما نرويه عن الصَّحابة والأولياء الأفراد، فأنساني حالُهم أهلي وأوطاني مع بقاء أعياني، ثم عُدْتُ إليهم بعد ذلك على نية الإقامة، عسى أن أكون رفيقهم في دار المقامة، وأنشدتُ بلسانِ الباطن والظَّاهر:

فألقتْ عصاها واستقرَّت بها النَّوى

وفيها كانت كَسْرة المواصلة؛ سار نورُ الدِّين صاحب المَوْصل إلى تل أعفر، ففتحها بالسَّيف، وكانت لقُطْبِ الدِّين بن عماد الدين صاحب سِنْجار، فاستنجد قُطْبُ الدين بالملك الأشرف بنِ العادل، فجاء ومعه سنجر شاه صاحب الجزيرة، والصَّالح صاحب آمد، والأوحد [أخو الأشرف] (١) صاحب مَيَّافارِقِين في عساكر دياربكر، واجتمعوا في خَلْق عظيم، وكان صاحبُ المَوْصل نازلًا على كَفْر زَمَّار في عسكر المَوْصل لا غير، [وكان الحر شديدًا، والأشرف على بوشرى في ألوف] (٢)، فساق عليهم نور الدين في ألفِ فارس، فواقعهم، وقد عطش نور الدين وأصحابه، فكسرهم نور الدين في أوَّل مرة، ثم كانت الكسرة عليه لسوء تدبيره، لأنهم كانوا أضعافه مستريحين، وهو متعوبٌ عطشان، فانهزم، وأسروا جماعةً من أمرائه منهم المبارز سُنْقُر الحلبي وولده الظَّهير غازي، وذلك في يوم السبت تاسع عشر شوَّال، ودخل نور الدين المَوْصل، وتحصَّن بها، واستعدَّ للحصار، وجاء الأشرف فنزل على كَفْر زَمَّار، وتراسلا واصطلحا في آخر ذي الحِجَّة، وأطلق الأمراء الذين أسرهم إلا المبارز سُنْقُر وولده الظَّهير [غازي] (١)، فإنهما أقاما في حَبْس حرَّان مُدَّة حتَّى شفع فيهما مظفر الدين بن زين الدين، فأطلقهما.

وتزوَّج الأشرف أُخت نور الدين [صاحب الموصل] (١) بنت عز الدين مسعود، وهي التي بنت بقاسيون التُّرْبة، ودفنت بها.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) في (ح) والحرّ شديد في ألوف، وفيها سقط، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).