للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العرب؟ فقال له زيد: إنما أراد الملكُ إِكرامَك ورفعَ منزلتك بمصاهرته إياك، ولو علم أنّ ذلك يَشُقُّ عليك لما فعل. فقال له النعمان: قد علمتَ ما على العرب من العارِ والشَّناعَة بتزويج الأعاجم. فقال له: طِبْ نَفْسًا سأصرفه عن ذلك.

فلمّا عاد زيد إلى أبرويز أعاد عليه ما قال النّعمان، وقال: إنه قال: فأين أبرويز عن بَقرِ السَّواد، وحرَّف عليه. وقال زيد: رُبَّ عبدٍ صار من الطغيان إلى أكثر من هذا (١).

فأرسل كسرى يطلبُ النُّعمان، فرحل بأمواله وأثقاله وأهله إلى البادية، فنزل على أصهاره من طيّئ فلم يَحمُوه، فانتقل إلى بني رَواحة فأجاروه. وضَجِر ومَلّ من التنقُّل في البادية، فأشارت عليه امرأتُه المُتَجرِّدة بأنْ يقصد باب كسرى مُستجيرًا به.

وبلغ كسرى فصفّ ثمانية آلاف جارية، عليهن الحليُّ والحُلَلُ صَفَّين، فلما صار النّعمان بينهن قُلنَ جميعًا: أما فينا للملك غناء عن بقر السَّواد؟ فعلم النّعمان أنه غيرُ ناجٍ منه.

ولقيه زيد بن عَدي فقال: أنت فعلت بي هذا، ولئن تخلَّصتُ لأسقِينَّك بكأس أبيك، فقال زيد: امض نُعَيْم، فقد أَخَّيتُ لك أَخِيَّة لا يَقطعُها المهرُ الأَرِنُ.

ثم أمر به كسرى فحُبس بساباطٍ بالمدائن، ثم ألقاه تحت أرجل الفيلة فداسَتْه حتى مات. وقيل: إنه حبسه بخانقين فوقع طاعون هناك فمات. والأول أصحُّ.

وقد أكثرت فيه الشعراء، قال زهير بن أبي سُلمى: [من الطويل]

ألم تر للنّعمانِ كان بنَجْوةٍ … من الشرِّ (٢) لو أن امرأً كان ناجيا

فلم أر مسلوبًا له مثلُ مُلكه … أقلَّ صديقًا باذلًا أو مُواسِيا (٣)

خلا أن حيًّا من رواحةَ حافظوا … وكانوا أُناسًا يتقون المخازيا

فقال لهم خيرًا وأثنى عليهمُ … وودَّعهم توديعَ أنْ لا تلاقيا


(١) في المصادر أن القائل لذلك هو كسرى أبرويز، انظو تاريخ اليعقوبي ٢١/ ٢١٥، والطبري ٢/ ٢٠٥، ومروج الذهب ٢/ ٣٠٦، والأغاني ٢/ ١٢٥، وتجارب الأمم ١/ ١٣٣.
(٢) في النسخ: ألم تريا النعمان كان بنجوة من الأرض، والمثبت من العقد الفريد ٥/ ٢٦١، ومروج الذهب ٣/ ٢٠٧، وديوانه ص ١٧١ بشرح الشنتمري، وص ٢٨٨ بشرح ثعلب.
(٣) في النسخ: مساويا، والمثبت من المصادر.