قال المصنِّف ﵀: وحجَّ خالي أبو محمد يوسف في هذا العام، وقرأ الكتاب بمكَّة وبالمدينة، وخاضَ أهل بغداد في السَّبب الموجب لذلك مع اتفاقِ العقلاء على أَنَّه كان أهلًا لَلخلافة من قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ، فقال قوم: سببه تخرُّصُ الحُسَّادِ المخالفين له في المذهب، فضربوا بينه وبين والده حتى ألجؤوه إلى هذه الحال، ومال الخليفةُ إلى ولده علي، ورشَّحه للخلافة، فاخترم في شبابه، فألجأتِ الضرورةُ إلى أن رَجَعَ الحقُّ إلى نصابه.
وفي جمادى الآخرة عقيبَ هذه الواقعة وَقَعَ حريقٌ بدار الخلافة لم يَجْرِ في الدُّنْيا مِثْلُه، فُتحت أبوابُ الدَّار في اللَّيل، وركب الوزير ابن مهدي وأربابُ الدَّولة إلى خزانة السِّلاح، فرأوا النَّار قد لعبت فيها، واجتمع جميعُ مَنْ ببغداد من السَّقَّائين والفَرَّاشين بالقِرَب والرَّوايا والصُّنَاع والفَعَلة، وأقاموا يومًا وَليلة يقلبون الماء على النَّار وهي تزداد، فاحترقَ جميعُ ما كان في الخزانة من السِّلاح، والأمتعة، والقِسِيّ، والنُّشَّاب، والرِّماح، والجروخ، والسيوف، والجواشن، والزَّرَديات، وقدور النِّفْط، والخُوَذ المرصَّعة بالجواهر واليواقيت، وعملتِ النَّارُ، وساعدها الهواء، ودَبَّتْ إلى الدُّور والتَّاج والدار البيضاء، فخرج الخليفةُ منها إلى دِجْلة، واحترقت خزانة الرؤوس:[رأس البساسيري، ورأس طغريل، وغيرهما](١). ويقال: إنَّ قيمةَ ما ذهب ثلاثةُ آلاف ألف دينار وسبع مئة ألف دينار، وكان في ذلك عبرة [لمن اعتبر، وفكرة لمن افتكر](١).
وفيها جاءتِ الفرنج إلى حماة بغتةً، وأخذوا النساء الغسَّالات من باب البلد على العاصي، وخرج إليهم الملك المنصور بن تقيِّ الدين، وثبت، وأبلى بلاءً حسنًا، وكَسَرَ الفرنجُ عسكرَه، ووقَفَ في السَّاقة من الرقيطاء إلى باب حماة، ولولا وقوفُهُ ما أبقوا من المُسْلمين أحدًا.
وحج بالنَّاس من العراق وجه السَّبع، ومن الشَّام صارم الدين بُزْغُش العادلي [والي قلعة دمشق](١)، وزين الدين قراجا صاحب صَرْخَد، [وجاء أبو محمد يوسف، وقرأ عَزْلَ ولي العهد بمكة والمدينة عند قبر النبيِّ ﷺ.