للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويكفرونه، وقيل: إنهم وضعوا عليه من سقاه السُّمَّ، فمات، ففرحوا بموته، وكانوا يرمونه بالكبائر، وكانت وفاته في ذي الحِجَّة.

ولا كلام في فَضْله، وإنّما الشَّناعات عليه قائمة بأشياء، منها: أَنَّه كان يقول: قال محمد التَّازي يعني [العربي، يريد] (١) النَّبيَّ ، وقال: قال محمد الرَّازي يعني نفسه.

ومنها: أنه كان يقرِّرُ مذاهب الخصوم وشُبَههم بأَتّمِّ عبارة، فإذا جاء إلى الأجوبة اقتنع بالإشارة، ولعله قصد الإيجاز، لكن أينَ الحقيقةُ من المجاز.

وخالف الفلاسفة الذين أُخذ هذا الفن عنهم، واقتبسه منهم، [فقال في كتاب له يقال له "المعالم": أطبقت الفلاسفة على أن النفس جوهر وليست بجسم. قال: وهذا باطل عندي، لأن الجوهر يمتنع أن يكون له قرب أو بعد من الأجسام.

قلت: اتفاقهم على أنها ليست داخلة في البدن ولا خارجة عنه تدل على عدم الجسمية، وما ادعوا أن للجوهر قربًا ولا بعدًا عن الأجسام، وإنما ادعوا ذلك في ذات الجوهر لا في غيره، وليست النفس كذلك، ولهذا توقفوا عن الجواب في معنى الجوهر الفرد، ولهم في هذا مذاهب موصوفة، ومآرب معروفة] (٢).

وكان تلميذه الشيخ شمس الدين عبد الحميد الخُسْرُوشاهي يحكي عنه من الفضائل وكَرَمِ الأخلاق، وحُسْن العشرة، واعتنائه بالمِلَّة الإسلامية ما يُبْطل قول الكَرَّامية.

قال المصنف : وكان صديقنا الخُسْرُوشاهي من كبار الأماثل، جَمَعَ أشتاتَ الفضائل، عاقلًا، رئيسًا، دَيِّنًا، صالحًا، مُحْسنًا، متمسِّكًا بالدِّين، سالكًا طريق السَّلف الضَالحين، تقلَّبت به الأحوال، تارةً بالشرق، وتارة بالكَرَك، وتارةً بمِصْر، وآخر قدومه دمشق في سنة ثلاث وخمسين وست مئة (٣)، فتوفي بها، ودُفِنَ بقاسيون، عند باب تُرْبة الملك المعظَّم عيسى ، [وسنذكره هناك] (٢).


(١) ما بين حاصرتين من "المذيل على الروضتين"، ليفهم سياق الكلام.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) كذا قال، وقد ذكر وفاته سنة (٦٥٢ هـ)، وهو الصحيح.