للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وورد خالي أبو محمَّد يوسف رسولًا إلى الكامل، فكتب في حقه إلى بغداد أشياء، وشنَّع عليه، وكان الخليفة هو المستنصر، فلم يسمع منه، ونفاه الكامل من مصر، فجاء إلى دمشق، فهجا قاضيها شمس الدين بن الخويي، ومحتسبها، وشيخ شيوخها الصدر البكري، وأعيان الدماشقة، هجاهم بقصيدة يقول فيها: [من المنسرح]

شيخُ شيوخ الشآمِ مسخرةٌ … هذا وقاضي قضاتهم نَرْدِي

وكان نازلًا في مدرسة الحنابلة عند الناصح ابن الحنبلي، فهجا الناصح والمقادسة، وشكاه الناصح إليَّ، واتفق أنه مسك غلامه في السوق ومعه دراهم زغل، ووصل الخبر إلى المعظم، فأراد قطع يده، ثم نفاه، ومات المعظم وهو بدمشق، وأقام بالشام مدة، ثم خطر له الرحلة إلى بغداد، فقدمها في أيام المستنصر بالله، وتوصّل حتى جلس بباب بدر، ثم شرع في السِّعايات بالناس، وكان خالي ببغداد، وهو بها، واتفق أن غلامًا له تعرّض لبعض خدم الناس من السطح، فجاء زوجها إلى الباب، وشنع عليه، فمضى إلى أستاذ الدار ولبَّس عليه، وقال: أمرك الوزير أن تضرب زوجها مئة خشبة، وتحلق رأسه، ففعل بالرجل ذلك، وبلغ المستنصر، فقامت عليه القيامة، وبعث إلى الوزير شهاب الدين أحمد بن الناقد، وأنكر عليه، فأحضر أستاذ الدار، وسأله عن القضية، فأحاله على غلام ابن المني، فأمر الخليفة أن يخرج إلى باب النوبي، ويضرب مئة خشبة، ويقطع لسانه. ففعلوا به ذلك، وأعطوه لسانه في مداسه، ونادوا عليه: هذا جزاء من يكثر كلامه. وحمل إلى المارستان العضدي، فتكلم، وكان قد قطع لسانه من أصله، وبرأ، فأخرج من المارَسْتان، فعاد إلى السعاية بالناس، فقال المستنصر: لا يجيء من هذا خيرٌ أبدًا، يُحمل إلى واسط. فنفي إلى واسط، وألقي في مطمورة، فمات بها في أيام المستنصر، وكان ما فعل به المستنصر من أكبر حسناته وأجمل صفاته] (١).


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).