"الحُجَّة في القراءات" لأبي علي الفارسي، وقرأ على أبي محمَّد من كُتُبِ العربية "كتاب سيبويه" و"المقتضب" و"الإيضاح" و"التكملة"، وقرأ العربية أيضًا على أبي السَّعادات ابن الشَّجَري، واللغة على أبي منصور بن الجواليقي، وسمع الحديث الكثير [من شيوخ جدي وغيرهم،] (١) وفارق بغداد في سنة ثلاثٍ وستين وخمس مئة، وأقام بدمشق، واختص بعِزِّ الدين فَرُّخْشاه ابن أخي صلاح الدين، وبولده الملك الأمجد صاحب بَعْلَبَك، وانتهت إليه القراءات والرِّوايات، وعلم النحو واللغة.
قال المصنف ﵀: [وقرأت عليه كتاب "الصّحاح" للجوهري] (١)، وكان يحضُرُ مجالسي بجامع دمشق وقاسيون، ويقول: أنا قد صِرْتُ من زبون المجلس.
وكان حسن العقيدة، [طيب الخُلُق،] (١) ظريفًا، لا يسأم الإنسان من مجالسته، وله النَّوادر العجيبة.
ولما خرجتُ في سنة سبعٍ وست مئة إلى الغَزَاة كَتَبَ إليَّ كتابًا بخطِّه إلى نابُلُس، [وكان يكتب مثل الدُّرِّ] (١) وفيه: [من الطويل]
جَزَى الله بالحُسْنى لياليَ أحسنَتْ … إلينا بإيناسِ الحبيبِ المُسَافِرِ
لياليَ كانتْ بالسُّرورِ قصيرةً … ولم تكُ لولا طِيبُها بالقصائر
[فيا لك وَصْلًا كان وَشْكُ انقضائه … كزورةِ طيف أو كنغمة طائرِ] (١)
وكتب إلى أيضًا: [من الطويل]
أيا ساكني قلبي على بُعْدِ دارهمْ … لقد عِيلَ صَبْرِي منذُ شَطَّتْ نَوَاكُمُ
سرى معكمْ نومي فأصبحتُ بعدكُمْ … ألومُ السُّرى منه وأبكي سُرَاكُمُ
رَضِيتُمْ بعادِي عنكُمُ فَرَضِيتُهُ … لأنيَ أهواكُمْ وأهوى هَوَاكُمُ
شجاني غَرَامٌ لو وَفَيتُمْ ببعضه … لقلبِ المُعَنَّى فيكُمُ لشجاكُمُ
أعيدوا لنا عِيدَ الوصَالِ على اللِّوى … سقى اللهُ أَيَّامَ اللِّوى وسَقَاكُمُ
وداووا بلُقياكم فؤادي من الضَّنى … فهيهاتِ أَنْ يَلْقى طبيبًا سواكُمُ
دَهَاني اشتياقٌ لم تُصِبْكُمْ سهامُهُ … فيا لَيتَهُ لما دَهَاني دهاكُمُ
(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).