للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[(١) جلستُ عنده في سنة اثنتي عشرة وست مئة، وكان الأشرف قد أرسلني إليه في قضايا لا يطلع عليها كاتب، وكتب كتابًا بيده إلى الظاهر، وكان جلوسي في يوم أَخْذِ ابن لاون أنطاكية، وقد ذكرته.

وكان بحلب فقير يحضر مجالسي قبل ذلك في سنة ثلاث وست مئة وأربع وخمس، وكان ذلك الفقير يقوم في المجلس ويصيح: واه، واه، فيزعج الحاضرين، وكان صالحًا، والظاهر أنه تغيَّر حاله فيما بعد ذلك، فلما جلست في سنة اثنتي عشرة عند الظّاهر، بقي ذلك الفقير يحترق، ويقول: كيف أعمل. ويردِّدها. فقال الظاهر: قدموه إلى عندي. فقدموه، فقال له: هذا الذي يقوله الشيخ ما هو مليح؟ قال: بلى. قال: فإن أردت أن تصيح صيح. فعجب الحاضرون.

وحضر في ذلك المجلس رجل عجمي، يُقال له أبو بكر النصبة، وكان صالحًا، وكان يحمل عصا أبنوس، فطابت قلوب الجماعة في ذلك اليوم، وبكوا، فقام النصبة، وجاء إلى الظاهر، وقال له: أنت فرعون، ما تتحرك؟ وثار في وجه النصبة مثل التفاحتين، وخرج من المجلس، فمات بعد ثلاث.

وحضرنا] عنده يوم الخميس في دار العَدْل، فجيء بامرأةٍ قد كَذَبَتْ على شخص، واعترفت بالكذب، فقال لابنِ شداد القاضي: ما يجب عليها؟ قال: التأديب. قال: تضرب بالدِّرَّة شريعةً، ويُقطَع لسانها سياسةً، فقلت له: الشَّريعة هي السياسة الكاملة، وما عداها يكون تعاطيًا عليها. فأطرق، فأُدِّبَتِ المرأةُ، وسَلِمَتْ من قَطْع اللِّسان، [وله من هذا الجنس نوادر في الموارد والمصادر] (٢).

وتوفي ليلة الثلاثاء العشرين من جُمادى الآخرة بعِلَّة الذَّرَب، ودُفِنَ بقلعة حلب، ثم نُقِلَ بعد ذلك إلى مدرسته التي أنشأها، وقام بعده ولده الملك العزيز محمَّد، وشهاب الدين طُغْريل الخادم أتابكه، وقد اطَّرد هذا في قلعة حلب، قَلَّ أن يموت سُلْطان ويخلِّف ولدًا صغيرًا إلا ويكون أتابكه والقيِّم بأمره خادمًا، [وقد ذكرناه فيما تقدَّم] (٢)، وعزل وزيره


(١) في (ح): وكان يتوقد ذكاءً وفطنة، سريع الإدراك. قال المصنّف : حضرت عنده يوم الخميس … ، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).