للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه، فطلبه، فأدركه الطلب عند أَنقِرة، أو دونها بيوم، وكان مع الرسول حُلَّة مسمومة فألبسه إياها في يومٍ صائفٍ، فتناثر لحمُه، ومات فدُفن بأَنقِرة.

وكان إذا عَرِق فاحتْ منه ريحُ الكلب، فكنّ النساء يَكرهنَه لذلك، وكانت أمّه قد ماتت وهو رضيع، فطلبوا له من يُرضعُه فلم يجدوا، فأرضعوه بلَبنِ كَلْبة أيّامًا.

وتزوج امرأة، فطالت ليلتُها معه فقال لها: ما كرهتِ مني؟ فقالت: أنت سريعُ الإراقة، بطيء الإفاقة، ريحك ريحُ كلبٍ فطَلِّقني، فطلقها (١).

وكان امرؤ القيسِ يُلقَّب بالملك الضِّلّيل وذي القروح، وأمه: تَملك، وقيل: اسمها هند بنت ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية الأكرمين (٢). وامرؤ القيس أوَّلُ من اخترع المعاني اللطيفة مع قُرب المَأخذ.

ورُوي أنه قدم وَفد على النبيّ فقالوا: يا رسول الله، إنا ضَلَلنا الماء فعَطِشنا، وإذا براكبٍ على قَلوصٍ، وهو يَترنَّم ويقول: [من الطويل]

ولمّا رأتْ حَرَّ الهَجير بكَفِّها. . . وبَرْدَ الحَصى من تحت أرجُلِها حامي

تيمَّمَتِ العَيْنَ التي عند ضارجٍ. . . يَفيءُ عليها الظِّل عَرْمَضُها طامي

ثم قال الراكب: أتدرون مَن قائلُ هذا الشّعر؟ قلنا: لا. قال: امرؤ القيس، وهذه ضارجٌ ترونها، فسرنا خطواتٍ، وإذا بعين ماءٍ عذبٍ عليها العَرْمَض (٣) فشربنا، ولولاه لمتنا عطَشًا، فأحيانا الله ببيتين من الشعر، وكان كلُّ واحدٍ منّا قد جلس تحت شجرةٍ يَنتظر الموت، فقال رسول الله : "ذاك رجل مشهورٌ في الدنيا، خامِلُ الذّكر في الآخرة، يجيءُ يومَ القيامة ومعه لواءُ الشعراء، يقودُهم إلى النّار".

قال الإمام أحمد بن حنبل : لا يصح هذا الحديث عن رسول الله ، في إسناده أبو الجَهْم عن الزهري، وأبو الجهم مجهولٌ (٤).


(١) المنتظم ٢/ ١٣٩ - ١٤٠، وانظر الشعر والشعراء ١/ ١٢١.
(٢) انظر الأغاني ٩/ ٧٧ - ٧٨، والمنتظم ٢/ ١٣٨، وذكر ابن قتيبة في الشعراء ١/ ١١٤ - ١١٥ أن أمّه هي فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير.
(٣) هو الطُّحلب.
(٤) انظر الشعر والشعراء ١/ ١١١ - ١١٢، ١٢٦، والمنتظم ٢/ ١٤٠، ومسند أحمد (٧١٢٧)، والجرح والتعديل ٩/ ٣٥٤ - ٣٥٥، والعلل المتناهية ١/ ١٣٨.