للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الجوع والعطش، [وكانت نوبة لم يكن في الإِسلام مثلها] (١) ونُهبتِ الأموالُ التي كانت لهم في القُدْس، وبلغ القنطار الزيت عشرة دراهم، والرطل النحاس نصف دِرْهم، وذم النَّاس المعظم، فقال بعضُ أهل العلم: [من مخلع البسيط]

في رَجَبٍ حَلَّلَ الحُمَيَّا (٢) … وأَخْرَبَ القُدْس في المُحَرَّمْ

[من أبيات، ولم يعذره أحد] (١).

وقال مجدُ الدِّين محمدُ بنُ عبد الله الحنفي؛ قاضي الطُّور: [من الطويل]

مررتُ على القُدْس الشَّريف مُسَلِّمًا … على ما تبقَّى مِنْ رُبوعٍ كأنْجُمِ

ففاضَتْ دموعُ العينِ منِّي صبابةً … على ما مضى من عَصْرِنا المتقدِّمِ

وقد رام عِلْجٌ أَنْ يعفِّي رسومَهُ … وشَمَّرَ عن كَفَّي لئيمٍ مُذَمَّمِ

فقلتُ له شَلَّتْ يمينُك خَلِّها … لمعتبرٍ أو سائلٍ أو مُسَلِّمِ

فلو كان يُفْدَى بالنُّفوس فَدَيتُهُ … بنفسي وهذا الظَّنُّ في كلِّ مُسْلِمِ

وفيها نفى المعظم بنَ المَشْطُوب من مِصْر؛ كان قد اتَّفق مع الفائز بن العادل على الكامل، واستحلف العساكر، وعَرَفَ الكاملُ، فرحل إلى أشمون، وعَزَمَ على التوجُّه إلى اليمن، ويئس من البلاد، وعَلِمَ المعظم، فقال له: لا بأس عليك. وركب آخر النهار، وجاء إلى خيمة ابنِ المَشْطوب، وقال: قولوا لعماد الدين يركب حتى نسير. فأخبروه، فخرج من الخيمة بغير صباغات، ولحق المِعظم، فأبعدَ به عن العساكر، وقال له: الملكُ الأشرف قد طلبك، وهو محتاجٌ إليك، فتسير إليه السَّاعة. فقال: ما في رجليَّ صباغات، ولا معي أحدٌ من غِلْماني، ولا قُماشي، فَوَكَل به جماعةً، وأعطاه خمس مئة دينار، وقال: كلُّ مالك يلحقك، والله ما يضيع لك خيط واحد. وسار به الموكَّلون، ورجع المعظم إلى خيمته، فوقف حتى جَهَّز خيله وغِلْمانه وثَقَلَه، ولم يُبْق له خيطًا واحدًا، وساروا خلفه، وعاد المعظم إلى خيمته، فجاء إليه الكامل، فقَبَّل الأرضَ بين يديه، وخاف الفائز خوفًا عظيمًا.


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) الحميا: الخمر.