للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان زاهدًا ورعًا عفيفًا، وما لبس طول عمره سوى الثَّوْب الخام وقَلَنْسُوة من جلد الغنم تساوي نصف دِرْهم، وفي الشتاء يبعثُ له بعضُ أصحابه فروةَ قرظ يَلْبَسُها، ثم يُؤثر بها في البَرْد، وكان إذا لَبِسَ الثَّوْب [يقول:] (١) هذا لفلان، وهذا لفلانة.

قال المصنف : قال لي يومًا: يَا سيد، أنا أبقى أيامًا في هذه الزَّاوية -وكنا ببعلبك- ما آكل شيئًا، فقلتُ له: فأنتَ صاحب القَبُول، كيف تجوع؟ فقال: يَا سيد، لأَنَّ أهل بَعْلَبَكّ يتَّكل بعضُهم على بعض، فأجوعُ أنا.

قال: وحدثني عبد الصمد خادمه، قال: كان يأخذ ورق اللَّوْز فَيَفْرُكُه ويستفُّه، وكان الملك الأمجد يزوره ويحبه، وكان الشيخ يُهينه، فما قام له يومًا قط، وكان يقول: يَا مجيد، أَنْتَ تظلم وتفعل وتصنع، وهو يعتذر إليه.

وأظهر العادل قراطيس سود، فقال الشيخ عبد الله: يَا مُسْلمين، انظروا إلى هذا الشيخ الفاعل الصَّانع يُفْسِدُ على النَّاس معاملاتهم، وبلغ العادل، فأبطلها.

[ذِكْرُ طرف من أخباره وكراماته] (٢):

كنتُ قد اجتمعت به في الشَّام من سنة ست مئة إلى سنة ثلاث وست مئة، وكان له تلميذ اسمه توبة، وكان من الصَّالحين الأجواد، وسافرتُ إلى العراق سنة أربعٍ وست مئة، وحججتُ، فلما كان يوم عرفة صَعِدْتُ جبل عرفات، وإذا بالشيخ عبد الله قاعدٌ على الجبل مستقبلٌ الكعبة، وعليه الثَّوب الخام، وعلى رأسه القَلَنْسُوة السَّوْداء، فسلَّمْتُ عليه، فرحَّب بي، وسألني عن طريقي، وقعدت عنده إلى قريب الغياب، ثم قلتُ له: ما تقوم نروح إلى المزدلفة؟ فقال: اسبقني أنتَ، فلي رفاقٌ. فنزلتُ من الجبل، وأتيت المزدلفة، ووقفتُ بها، وجئت إلى منى، فدخلت مسجد الخَيف، وإذا بالشيخ توبة خارجٌ من المسجد، فسلَّم عليَّ، فقلتُ له: أين نزل الشيخ؟ ظنًّا مني أنَّه قد حَجَّ معه، فقال: أيما شيخ؟ قلتُ: عبد الله. قال: خَلَّفْتُه ببَعْلَبَكّ. فَفَطِنْتُ، فقلتُ: مبارك. [ففهم] (١)، فلزم بيدي وبكى، وقال: بالله حَدِّثْني أيش معنى هذا؟ فقلتُ: رأيته البارحة على عرفات. وحدَّثْتُه الحديث، ثم رجعتُ أنا على بغداد، وجاء توبة إلى


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) في (ح): وقال المصنف ، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).