للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دِمْياط. وما كان يظن أَنَّ الأشرف يسمح بذلك، وساق المعظَّم إلى دمشق وتبعته العساكر، ونام الأشرف في خيمته إلى قريب الظُّهْر [وانتبه، فدخل الحَمَّام، فلم يَرَ حول خيمته أحدًا، فقال: وأين العساكر؟] (١)، فأخبروه الخبر، فسكت، وساق إلى دمشق، فنزل القُصَير يوم الثلاثاء رابع جمادى الأُولى، فأقام إلى سَلْخه، وعَرَضَ العساكر تحت قلعة دمشق، وكان هو وأخوه المعظم في الطَّيَّارة بالقلعة، وساروا إلى مِصْر غُرَّة جمادى الآخرة.

وأما الفرنج فإنَّهم خرجوا بالفارس والرَّاجل، وكان البحر زائدًا جدًّا، فجاؤوا إلى تُرْعة، فأرسوا إليها، وفتح المسلمون عليهم التُّرع من كلِّ مكان، وأحدقتْ بهم عساكرُ الكامل، فلم يبق لهم وصولٌ إلى دمياط، وجاء أسطول المُسْلمين، فأخذوا مراكبهم، ومنعوهم أن تصل إليهم ميرةٌ من دِمْياط، وكانوا خَلْقًا عظيمًا، وانقطعت أخبارُهم عن دمياط، وكان فيهم مئة كند، وثماني مئة من الخَيَّالة المعروفين، وملك عكا، والدوك، واللوكات نائب البابا، ومن الرَّجَّالة ما لا يحصى، فلما عاينوا الهلاك أرسلوا إلى الكامل يطلبون الصُّلْح والرهائن، ويسلِّمون دمياط، فمن حِرْصِ الكامل على خلاص دمياط أجابهم، ولو أقاموا يومين أخذوا برقابهم، فبعث إليهم الكامل ابنه الصَّالح أَيُّوب، وابن أُخته شمس الملوك، وجاء ملوكهم إلى الكامل ممن سمينا، فالتقاهم، وأَنْعَمَ عليهم، وضَرَبَ لهم الخيام، ووَصَلَ المعظَّم والأشرف في تلك الحال إلى المنصورة في ثالث رجب، فجلس الكامل مجلسًا عظيمًا في خيمةٍ كبيرةٍ عالية، ومدَّ سماطًا عظيمًا، وأحضر ملوك الفرنج، ووقف المعظم والأشرف والملوك في خدمته، وقام الحِلِّي الشَّاعر، وأنشد: [من الطَّويل]

هنيئًا فإنَّ السَّعْدَ راحَ مُخَلَّدا … وقد أنجز الرَّحْمَن بالنَّصْر مَوْعدا

حبانا إلهُ الخَلْقِ فتحًا بدا لنا … مبينًا وإنعامًا وعزًا مؤبَّدا

تهلَّل وَجْهُ الدَّهْرِ بعد قطوبه … وأصبحَ وَجْهُ الشِّرْكِ بالظُّلْمِ أسودا

ولما طغى البحرُ الخِضَمُّ بأَهْله الـ … ـطغاةِ وأضحى بالمراكب مُزْبدا

أقام لهذا الدِّين مَنْ سَلَّ عزمه … صقيلًا كما سُلَّ الحسامُ مجرَّدا

فلم ينجُ إلا كلُّ شِلْوٍ مجدَّلٍ … ثوى منهمُ أو مَنْ تراه مقيَّدا


(١) ما بين حاصرتين من (ش).