[قالوا](١): ولما دخل وقت الظهر، وأَذَّن المؤذن قام جميعُ مَنْ كان معه من الفَرَّاشين والغِلْمان ومعلمه -وكان من صِقِلِّية يقرأ عليه المنطق- فصلُّوا، وكانوا مسلمين.
[قالوا](١): والظَّاهر من كلام الإنبرور أَنَّه كان دهريًّا، وإنما كان يتلاعب بالنَّصْرانية.
[قالوا](١): وكان الكامل قد تقدَّم إلى القاضي شمس الدين قاضي نابُلُس أن يأمر المؤذنين ما دام الإنبرور بالقُدْس لا يصعدوا المنابر، وإنما يؤذنوا في الحرم، فأنسي القاضي أن يُعْلم المؤذنين، فصعد عبدُ الكريم المؤذن في تلك الليلة وقت السَّحر، والإنبرور نازل في دار القاضي، فجعل يقرأ الآيات التي تختصُّ بالنصارى مثل قوله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ﴾ [المؤمنون: ٩١] ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [مريم: ٣٤] ونحو هذا، فلما طلع الفجر استدعى القاضي عبدَ الكريم وقال له: أَيش عملت؟ السُّلْطان رسم كذا وكذا. قال: ما عَرَّفتني والتوبة. فلما كانت الليلة الثَّانية ما صعد [عبد الكريم المئذنة](١)، فلما طلع الفجر استدعى الإنبرور القاضي، وكان قد دخل القدس في خدمته، وهو الذي سلَّمه إليه، فقال له: يا قاضي، أين ذاك الرجل الذي طلع بارحة أمس المنارة وذكر ذاك الكلام؟ فعَرَّفه أَنَّ السلطان أوصاه. فقال الإنبرور: أخطأتم يا قاضي، تغيرون شعاركم وشرعكم ودينكم لأجلي! فلو كنتم عندي في بلادي هل كنت أبطل ضرب النَّاقوس لأجلكم؟ الله الله لا تفعلوا، هذا أول ما تنقصون عندنا. ثم فَرَّق في القوام والمؤذنين والمجاورين جملة، أعطى كلَّ واحد عشرة دنانير، ولم يقم بالقُدْس سوى ليلتين، وعاد إلى يافا، وخاف من الدَّاوية، فإنهم عزموا على قَتْله، وكان أشقر أمعط، في عينيه ضعف، لو كان عبدًا ما ساوى مئتي دِرْهم.
وفيها اشتدَّ الحصار على دمشق، فألجأتِ الضرورة أَنَّ النَّاصر خرج إلى [عمه](١) الكامل، وأعطاه الكَرَك وعجلون والصَّلت ونابُلُس والقدس والخليل، وأخذ منه الشوبك، وسلَّم إليه دمشق، [وكان نزوله على دمشق](١) في ربيع الآخر من هذه السنة، وتسلمها غُرَّة شعبان، أقاموا عليها أربعة أشهر، وسَلَّم الكاملُ دمشق إلى الأشرف.