للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[(١) ذكر وفاته:

ذكر لي جماعة أنه] سُرِقَتْ له حياصة، لها قيمة، ودواة تساوي مئتي دينار، فاتَّهم بها بعضَ مماليكه، فظهرت عليه وخبَّأها عند بعضِ المماليك، فأخذ [المملوك] (٢) السَّارق، وحبسه في خزانةٍ في دار فَرُّخْشاه، وكانت الخزانة خلف الأمجد، وتهدَّد المملوك بقَطْع اليد والصَّلْب، فلما كانت ليلة الأربعاء ثاني عشر شَوَّال جلس على عادته بين يدي الخزانة التي فيها المملوك على الحال التي يجلس أمثاله عليها، وعنده عبَّاس ابن أخي الشَّريف البهاء الكاتب، وابن فهيد اليهودي المنجم، وبيده الإسطرلاب ليأخذ له الطَّالع، وكان يلعب مع عَبَّاس بما جرت عادتهم بلعبه، فقال له ابن فهيد: يا مولانا انظر إليَّ، فهذه ساعةٌ سعيدة، لو أردتَ أَخْذَ دمشق لأخذتَها، فقال له: لا تكلِّمْني، فقد تعين لي الغلب. وكان مع المملوك [الذي في الخزانة] (٢) سكِّينٌ صغيرة، فعالج زردة باب الخزانة قليلًا قليلًا، فقلعها، وهجم، فأخذ سبف الأمجد، وجذبه، وضربه [به] (٢)، فصاح: لا والكْ يا مأبون. والمملوك يضربه، فَحَلَّ كتفه، ونَزَلَ السَّيف إلى بزِّه، ثم ضربه ضربة أُخرى، فقطع يده، وطعنه في خاصرته، وانهزم، فصَعِدَ إلى السَّطْح، فصَعِدُوا خلفه، فألقى نفسه إلى الدَّار، فماتَ، وقطَّعه الغِلْمان قِطَعًا، وغُيِّل الأمجد، وكُفِّن، وحُمل إلى تُرْبة أبيه التي على شرف الميدان الشّمالي، فدفن بها.

وكان فاضلًا، شاعرًا، فصيحًا، كاتبًا، وله ديوان كبير (٣) وكان جَوَادًا ممدَّحًا؛ مدحه خَلْقٌ كثير، وأجازهم الجوائز السَّنية، [وقد ذكرنا مدح النقاش الحلبي له، وكان صديقي، كنت إذا صعدت جبل لبنان للزيارة أجتاز ببعلبك، فيخدمني، ويحسن إليَّ، واجتمعت به عند الشيخ عبد الله اليونيني، وأنشد] (٢) من شعره:

كم يذهبُ هذا العُمْرُ في الخُسْرانِ … ما أغفلني فيه وما أنساني

ضيَّعْتُ زماني كلَّه في لَعِبٍ … يا عُمُر فهل بعدك عمرٌ ثانِ


(١) في (ح): "وجاء إلى دمشق، وسرقت له حياصة … "، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) ما بين حاصرتين من (ش).
(٣) طبع في بغداد بتحقيق ناظم رشيد، ثم أعيد طبعه في مصر سنة ١٩٩١ م، بتحقيق د. غريب محمد علي أحمد.