للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولد بسُهْرَوَرْد في رجب سنة تسع وثلاثين وخمس مئة، ونشأ بين الفقراء على التجريد والرِّياضات والمجاهدات.

قال المصنف : ورأيته في سنة تسعين وخمس مئة يعظ برباط دَرْب المَقْبُرة، ومنبره طين، وعلى رأسه مئزر صوف، ثم تقلَّبت به الأحوال حتى أرسله الخليفةُ مرارًا إلى العادل وغيره، وقد أعرض عنه، و [قد ذكرنا أنه] (١) أخذ ما كان بيده من الرُّبُط، ومنعه الجلوس، وأقام مدَّة، ثم رضي عنه، وَرَدَّ إليه ربطه، وجلس في رباط عَمِّه أبي النَّجيب، وعاش حتى ضعف بصره، وقيل: ذهب [بمرَّة] (١)، فتوفي، ودفن في رباطه عند باب سور بغداد عن نيف وتسعين سنة، [سمع عمه أبا النجيب وابن البطي، ومن يحيى بن ثابت بن بُنْدار، وغيرهم] (١).

وكان صالحًا، عابدًا، زاهدًا، ورعًا، جَوَادًا، سَمْحًا، ملجأ للمكروبين، وحِصْنًا للملهوفين، أقام بالشَّام مُدَّة، فكم أغاث من ملهوف، وكم فرَّج عن مكروب، وكان له قَبُولٌ حسن، وانتفع به خَلْقٌ كثير، وصنَّف كتابًا للصُّوفية، سماه "عوارف المعارف" [ذكر فيه من علومهم التَّالد والطَّارف] (١)، جلس يومًا ببغداد، فذكر أحوال القوم، وأنشد: [من البسيط]

ما في الصِّحابِ أخو وَجْدٍ نطارِحُهُ … حديثَ نَجْدٍ ولا صبٌّ نجاريه

وجعل يردِّدُ البيتَ ويطرب، فصاح شابٌّ من أطراف المجلس، وعليه قَبَاء وكلوتة، وقال: يا شيخ، إلى كم تشطح، وتنتقص بالقوم؟! والله إنَّ فيهم من لا يرضى أن يجاريك، ولا يصل فَهْمُك إلى ما يقول، هلا أنشدتَ: [من البسيط]

ما في الصِّحابِ وقد سارتْ حُمولُهُمُ … إلا محبٌّ له في الرَّكْبِ محبوبُ

كأنَّما يوسفٌ في كلِّ راحلةٍ … والحيُّ في كلِّ بيتٍ منه يعقوبُ

فصاح الشيخ، ونزل من المنبر، وقَصَدَ الشَّابَّ ليعتذر إليه، فلم يجده، ووجد موضعه حُفْرةً فيها دم، مما فحص برِجْليه عند إنشاد الشَّيخ البيت.


(١) ما بين حاصرتين من (ش).