للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكرنا ما جرى بينه وبين العادل فِي فتح باب الفراديس، وسفر الناصح إِلَى حلب، وإقامته حتَّى مات العادل، وعاد إِلَى دمشق] (١)، ودرَّس بمدرسة ربيعة خاتون فِي الجبل، وكان يعظ فِي الأحايين، [وقد حضر مجالسي بحلب ودمشق، وكان قد جرى بيني وبين الأشرف بسبب الناصر، وجلوسي ذلك المجلس الذي ذكرت فيه القدس وحشة، ولما أخذ الأشرف دمشق لزمت زاويتي، ولم اجتمع به حياء منه، لأنه كان أحسن إليَّ إحسانًا كثيرًا، وتفضل علي فضلًا غزيرًا، وفوَّض إليَّ جميع الخوانك التي ببلاده شرقًا وغربًا، وبُعْدًا وقربًا، وجهزني إِلَى الحج على طريق العراق، فسرت عارفًا بإحسانه وجميله، وأقام لي سبيلًا مثل سبيله، ولما دخل دمشق، وانقطعتُ عنه صَعِدَ الناصح إِلَى القلعة، وسأل الأشرف أن يجلس بجامع دمشق، وذلك عقب جلوسي فِي نوبة القدس، وقال الناصح: أريد أذكر فضائل السلطان، وما أولى النَّاس من العدل. وكان مقصودة أن يأتي بعكس ما أتيت به ليتقدم عند الأشرف، ثم قال: وأريد السلطان يحضر عندي. فقال: أنا اشتغالي كثير، بلى السلطان الصالح إسماعيل يحضر عندك وعماد الدين بن موسك. وجلس بباب المشهد فِي المكان الذي يجلس فيه الصالح والعماد فِي القُبَّة، وشرع فِي الكلام وبالغ، وقال وأطال، ولم يخشع قلب، ولم تدمع عين، ووقع فِي شمل المجلس الشتات والبين، وكان من عادتي يوم الخميس أن لا أنزل حتَّى تصل الشَّمس إِلَى المنبر، وقد أَلْف النَّاس ذلك، فهم به أخبر، فقال عماد الدين للصالح: متى تنزل إِلَى موضعها؟ فقال الصالح: الشَّمس ترديه. وقاموا، وحكوا للأشرف صورة المجلس، فأعجبه جواب الصالح، وقال: والله صدقت.

وحضر يومًا عند الأشرف فقال: قد ذكرت فِي "كتاب الجهاد" أنَّه ما اجتمع أَلْف من الْأَنصار فِي جيش إلَّا ونصر. فقال الأشرف: فقد خرج يوم أحد مع النَّبِيّ أَلْف من الْأَنصار، وجرى ما جرى!

قلت: ما حضر يوم أحد أَلْف من الْأَنصار، لأن الصحابة كانوا ست مئة، فيهم مهاجرون وأنصار، وكيف يكونون ألفًا!] (١).

وكانت وفاته غُرَّة المحرم، ودفن بقاسيون.


(١) ما بين حاصرتين من (ش).