وفيها اتَّفق الجواد والصَّالح أَيُّوب على مقايضة دمشق بسنجار وعانة، وسببه ضيقُ عَطَن الجواد، وعَجْزه عن القيام بمملكة الشَّام، وكان يقول [لي](١): أنا أيش أعمل بملك باز، وكلب أحبُّ إليَّ من المُلْك.
وكان أسدُ الدِّين قد جاء إِلَى دمشق، فأقام بها، وقُتِلَ عماد الدِّين بن الشيخ فِي قلعة دمشق، وكان الجواد يُظْهر أَنَّه النَّائب بدمشق عن العادل صاحب مِصْر، فلما قُتِلَ ابنُ الشيخ، وأقام أسد الدين بدمشق خاف الجَوَاد من صاحب مِصْر، وظن أَنَّ صاحب حِمْص يأخذ منه دمشق، فخرج إِلَى البرية، وكاتَبَ الصَّالح أَيُّوب، واتَّفقا على المقايضة، وعَلِمَ صاحبُ حمص، فتوجَّه إِلَى حمص، وكان فِي قلب الصَّالح منه لما جرى بينه وبين الكامل، ودخل الصَّالح دمشق غُرَّة جمادى الأولى، والجَوَادُ بين يديه قد حَمَل الغاشية من تحت القلعة، وحملها المُظَفَّر صاحب حماة من باب الحديد، واتفق أَنَّ سنجق الصَّالح انكسر عند باب القلعة، ونزل الصَّالح فِي القلعة، والجواد فِي دار فَرُّخْشاه، ثم نَدِمَ الجوادُ، فاستدعى المقدَّمين والجند، واستحلفهم، وجمع الصَّالح أصحابه عنده فِي القلعة، وأراد أن يحرق دار فَرُّخْشاه، فدخل ابنُ جرير فِي الوسط، وأصلحَ الحال، وخرج الجَوَاد إِلَى النَّيْرب، واجتمع الخَلْق على باب النَّصر يدعون عليه، ويسبُّونه فِي وجهه، وكان قد سَلَّط عليهم خادمًا لبنت كُرْجي يقال له: النَّاصح، فأخذ أموال النَّاس وصادرهم، وعلَّقهم، وضربهم، فيقال: إنَّه أخذ من النَّاس ست مئة أَلْف دِرْهم، وأرسل الصَّالح أَيُّوب إِلَى الجواد ليعطي النَّاس أموالهم، فما التفتَ، وسافر، ومات، ولم يعطِ أحدًا شيئًا، وبقيت فِي ذِمَّته.
وأما النَّاصح الخادم، فإنَّه أقام بحماة، وتوصَّل -لما أخذ الصَّالح أَيُّوب مصر- إِلَى مِصْر، وخدم الصَّالح، وكان لما قُتِلَ ابنُ الشيخ عماد الدين قد أخذ الجوادُ ثيابه، وفيها فَرَجية حمراء، فأعطاها للنَّاصح، وعلم معين الدِّين، فقال للصَّالح: هذا النَّاصح الذي فَعَلَ بالنَّاس ما فعل، ومالأ على قَتْلِ أخي ولبس فَرَجيته! فرماه الصَّالح فِي الجُبِّ، واستأصله، فمات فِي الجُبِّ على أقبح صورة من [الفقر و](١) القِلَّة والقمل، واستوزر الصَّالحُ جمال الدين بن جرير، فأقام أيامًا، ومات.