للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانوا أربعةً وثلاثين ألفاً (١).

ومنهم: حَنْظَلة بنُ صفوان، نبيُّ أصحاب الرَّسِّ، كان في الفترة، وهو من ولد إسماعيل ، قام في قومه خطيباً، فنهاهم عن عبادة الأوثان، وأمرهم أن يَعبدوا الله ويُوَحِّدوه، فقَتلوه، ورَمَوه في بئر، فلما قتلوه أَلهم الله بعضَ المُلوك، فسار إليهم فقتلهم، وشرَّدهم، وفعل برُؤسائهم كما فعلوا بحَنْظلة، فلم يَبْقَ لهم أثر (٢).

ومنهم: خالد بن سِنان بن غَيْث العَبْسي، كان عبداً صالحاً، وأكثرُ العلماء على أنه كان نبيّاً على دين المسيح ، وظهرت نارٌ بين مكّة والمدينة، فعبدها طوائفُ من العرب، فأتاها خالد، فاقتحمها، فأطفأها غَضباً لله، لئلا تُعبدَ معه، ولما عَزم على دخولها، قال: [كل هَدْيٍ مُؤدَّى إلى] الله الأعلى، لأَدْخُلَنّها وهي تَلَظَّى، ولَأَخْرُجَنَّ منها وثيابي تَنَدَّى، فكان كما قال.

ولما احتُضر قال: ادفنوني في حِقْفٍ من هذه الأَحقاف، واحرُسُوني أياماً، فإذا رأيتُم حماراً أَشهَب أَبْتَر يدور حول الحِقْف فانْبُشوني، وأَحضِروا كاتباً يَكتبُ ما أقول، فإني سأُخبرُكم بالكائنات والمغيبات إلى يوم البعث، فرَصَدوا قبرَه ثلاثاً، فجاء الحمار فدار حول الحِقْفِ، فاجتمع قومُه ليَنْبُشوه، فقام بنوه، وشَهروا سُيوفهم وقالوا: نَخاف العار فتركوه، فقال شاعر: [من الطويل]

بني خالدٍ لو أنّكم إذ حَضَرْتُمُ … نَبَشْتُم عن المَيْتِ المُغَيَّب في القَبْرِ

لَأَبْقى لكم في آل عَبْسٍ ذَخيرةً … من الفضلِ لا تبْلَى على سالفِ الدَّهرِ

ولما ظهر رسول الله بمكة؛ وَفَدتْ عليه ابنةُ خالد بن سنان وهي عجوز مُسِنّة كبيرة، فرحَّبَ بها وقال: "مرحباً بابنةِ أخي خالد، كان أبوها نبيّاً، وإنما ضيَّعه قومُه" (٣)، وسمعتْ رسول الله يقرأ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)[الإخلاص: ١]


(١) ذكر القصة مختصرة المسعودي في مروج الذهب ١/ ١٢٧، ومطولة الطبري ٢/ ٢٤ - ٣٦، والثعلبي في عرائس المجالس ٤٣٢ - ٤٣٨، وابن الجوزي في المنتظم ٢/ ١٤٨ - ١٤٩.
(٢) مروج الذهب ١/ ١٢٥.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة ١٢/ ٢٠٠، وابن شبة في أخبار المدينة ٤٢١ عن سعيد بن جبير، قال الحافظ في الإصابة ٣/ ١١٧: ورجاله ثقات إلا أنه مرسل.