للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكونوا كجار الجَنْبِ حِصنًا وجُنَّةً … إذا ما عَوَتْه النَّائباتُ من الدَّهر (١)

وروى عروة (٢) بن الزبير ، عن أبيه، قال: خرج نفر من قريش فيهم وَرَقة بن نَوفل، وزيد بن عمرو بن نُفَيل، وعُبيد الله بن جَحْش، وعثمان (٣) بن الحُوَيرِث، إلى صنم لهم في يوم عيد كانوا يجتمعون إليه، وينحرون له، ويعظِّمونه، فدخلوا عليه فرأوه على وجهه مكبوبًا، فردوه إلى حاله فوقع، وفعلوا ذلك مرارًا، فقال عثمان بن الحُوَيرِث: هذا لأمر حدث في هذه الليلة، وكان رسول الله قد ولد في تلك الليلة، فهتف بهم هاتف من الصنم يقول: [من الطويل]

تردّى لمولودٍ أنارت بنورِه … جَميعُ فجاجِ الأرضِ بالشَّرق والغربِ

وخرت له الأوثانُ طُرًّا وأُرعِدَتْ … قلوبُ ملوكِ الأرضِ طُرًّا من الرُّعبِ

ونارُ جميع الفرسِ باخَت وأظْلَمَتْ … وقد بات شاه الفُرْس في أعظمِ الكَرْبِ

وصدَّتْ عن الكُهَّان بالغيبِ جِنُّها … فلا مُخْبِر عنهمْ بصدْقٍ ولا كذبِ

فيا لَقُصَيٍّ ارجعوا عن ضلالِكُم … وهُبوا إلى الإِسلامِ والمنزلِ الرَّحبِ

فلما سمعوا ذلك خَلصوا نَجِيًّا، وقال لهم ورقة بن نوفل:

ما قومكم على دين، ولقد أخطؤوا واللهِ الحُجَّةَ، وتركوا دين إبراهيم، وعبدوا حجرًا لا يضر ولا ينفع، ولا يبصر ولا يسمع، يا قوم التمسوا لأنفسكم الدين.

وقال عثمان بن الحويرث يخاطب الصنم: [من الطويل]

أيا صَنَمَ العِيد الذي صُفَّ حوله … صناديدُ وَفْدٍ من بعيدٍ ومن قُرْبِ

تكوكَسْتَ مقلوبًا فما ذاك قُلْ لَنَا … أَذاك سفيه أم تكوكَسْتَ للعُتْبِ

فإن كان مِن ذنبٍ أتَينا فإنَّنا … نَبُوءُ بإقرارٍ ونَلْوي عن الذَّنبِ

وإن كنتَ مغلوبًا تكوكَسْتَ (٤) صاغِرًا … فما أنتَ في الأربابِ بالسَّيدِ الرَّبِّ

ثم خرجوا يضربون في الأرض، فرجع ورقة إلى مكة وقد تنصّر، وأما زيد بن عمرو


(١) مختصر تاريخ دمشق ٨/ ٢٩٥ - ٢٩٧.
(٢) في النسخ: "عكرمة"، والخبر في تاريخ دمشق ١/ ٣٤٢ (السيرة) من طريق يحيى بن عروة، عن أبيه عروة.
(٣) في النسخ: "عمار" في الموضعين، والصواب ما أثبتناه، انظر المصادر.
(٤) في تاريخ دمشق: تكوست، في المواضع الثلاثة.