للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بني مُلَيحٍ، فقطعت قريش يده، ولم تكن الكعبة مُسقَّفة، فعزموا على تسقيفها، وكان فيها حَيَّةٌ تأوي إلى البئر التي يُطرح فيها ما يُهدى إلى الكعبة، وكانت تخرج من البئر فتمتد على جدار الكعبة، فإذا قصدها أحد فتحت فاها وطلبته فانهزم، فامتنعوا من رفع جدار الكعبة وتسقيفها، فبعث الله طائرًا فاختطف الحية ومضى، فقالت قريش: إن الله قد رضي عنا وقَبِلَ ما قد عزمنا عليه لأنه كفانا أمر الحية (١).

وقال ابن عباس : كان السيل يأتي مكة فيدخل الكعبة فانصدعت، فخافوا أن تنهدم، وكان باب البيت موضوعًا لاصقًا بالأرض، فأقبلت سفينة في البحر فيها روم، ورأسهم رجل يقال له: باقوم، فألقتها الريح إلى الشُّعيبة، وكانت مرمى السفن قَبْلَ جُدَّة فتحطمت، فخرج الوليد بن المغيرة في نفر من قريش فابتاعوا خشبها، وكلموا باقومَ أن يَقْدُمَ مكة معهم فقدم، وقال: هذه السفينة بعث بها قيصر إلى الحبشة في بحر القُلزُمِ ليبنيَ بها هناك كنيسة (٢).

وأجمعوا على هدم الكعبة، فقام أبو وهب بن عَمْرو المخزومي فأخذ حجرًا من الكعبة، فوثب من يده حتَّى رجع إلى مكانه فقال: يا معشر قريش، لا تُدْخِلوا في بنائها من كسبكم إلا طَيِّبًا، ولا يكون فيه مهر بَغْيٍّ ولا ربا ولا مظلمة.

وهاب الناس هدمها، فأخذ الوليد بن المغيرة المِعْوَل، وصعد عليها وقال: اللهمَّ لم تُرَعْ (٣) فَما نُريدُ إلَّا الخَيرَ، ثم هدم ناحية منها فتربَّص الناس وقالوا: ننتظر هذه الليلة فإن نزل بالوليد أمر وإلا هدمناها، فأصبح الوليد غاديًا إليها وقريش معه، فنزعوا منها حجرًا فتحركت مكة بأسرها، ثم هدموا فظهر في الأساس حجار خضر، كأنَّهما أسْنِمة البُخْت، ثم شرعوا في جمع الحجارة ورسول الله ينقل معهم، وكانوا يرفعون أُزُرَهم على عواتقهم ويحملون الحجارة على رؤوسهم، ففعل ذلك رسول الله فليط


(١) انظر "سيرة ابن هشام" ١/ ١٧٨ - ١٧٩.
(٢) انظر "الطبقات الكبرى" ١/ ١٢٠، و"أخبار مكة" للفاكهي (١٩٩)، و"أخبار مكة" للأزرقي ١/ ١٥٧، و"المنتظم" ٢/ ٣٢٥.
(٣) ترع: بمثناة فوقية فراء مفتوحة، أي: لم تفزع، أي: الكعبة. ويروى: "نَزغ" بفتح النون وكسر الزاي وبالغين المعجمة أي: لم نمل عن دينك ولا خرجنا عنه. "السيرة الشامية" ٢/ ٢٣٥.