فأنفق عليها أبرويز أموالًا عظيمة، وأسكرها مرارًا، والماء يقلع السَّكْر، وكان عنده ثلاث مئةٍ من الحزاةِ -وهم: السحرة، والكهنة، والمنجمون- فجمعهم كسرى، وكان فيهم رجل من العرب يقال له: السَّائب، يعتافُ اعتيافَ العَربِ فلا يخطئ، وكان بعث به بَاذَان إليه من اليمن، وكان لأبرويز طاق في الإيوان يضع فيه تاجه، فلما كانت الليلة التي بعث فيها رسول الله ﷺ، انفصم الطاق، وانقطع السكْرُ، فانخرقت دجلة فأصبح كسرى حزينًا، ودعا القوم فقال لهم: انفصم طاق تاج ملكي، وانخرق الماء عن بلادي "شاه بِشكَسْت" أَي: انكسر الملك، فانظروا.
فنظروا، فأظلمت الدنيا عليهم وتحيَّروا، فلم ينتفع كاهن بكهانته، ولا ساحر بسحره، ولا منجم بنجومه، فقام السَّائب عنهم، وبات على رابية يَرْمُقُ نجوم الحجاز، فرأى في موضع قدميه روضة خضراء، فقال: لئن صَدَق ما أرى ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ ملكه المشرق والمغرب، تخصب الأرض في زمانه، واجتمعت الحُزاةُ وقالوا: والله ما حال بينكم وبين علومكم إلا أمر سماوي، وإنه لنبيٌّ بُعِثَ يَسلب كسرى ملكَه، ولئن أخبرتم كسرى بذلك، ليأتين على آخركم، فاتَّفِقُوا على أمر تدفعوا به عنكم. فقالوا له: قد نظرنا، فإذا وَضْعُ الطاق والسكر كان في طالع النحوس، ونحن نبصر لك طالعًا سعيدًا تعيد فيه الطاق والسكر.
وعيَّنوا له وقتًا، فشرع في السَّكْر على دجلة، وغرم عليه أموالًا عظيمة، فلما فرغوا منه فرش عليه الفُرُشَ، وأحضر الأساورة والمرازبة والأشراف والأعيان، وجميع من في مملكته، ثم جلس على السَّكر وأخذ في اللعب والشرب، فبينما هم على ذلك انقطع السَّكر نصفين، وغَرِق جميع من كان عليه، واستخرجوا كسرى في آخر نفس، فقتل من الحُزاةِ مئة رجل، فقال الباقون: أخطأنا كما أخطأ مَنْ قبلنا، ونحن نحسب حسابًا صحيحًا، فقال: افعلوا، وحسبوا وأمروه بوضع السَّكر فوضعه، وجلس عليه فانقطع نصفين وأصابه أعظم من الأول، فقال لهم: والله لئن لم تصدقوني لأرمينكم تحت أرجل الفيلة، كم تُلَفِّقونَ عليَّ؟ فقالوا: نحن نصدقك، إنا نظرنا في علومنا فرأينا أنَّه قد ظهر نبيٌّ، وأظهر له السَّائب ما رأى، فلها عنهم وعن دجلة، وذلك قبل أن يأتيه