فكتب إليه:"من محمد رسول الله إلى أكثم. أما أنا فمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، عبدُ الله ورسوله. وأما الَّذي جئت به: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ [النحل: ٩٠]، وإن الله أمرني أن أقول: لا إله إلا الله، ولتعلمَنَّ نبأه بعد حين، والسلام".
فلما قرأ كتابه، قال: نسب وسيط، وأراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوسًا، ولا تكونوا أَذنابًا.
ثم جمع أَكْثَم بني تميم، وقال: لا يحضرني سفيه، فإن السفيه واهي الرأي وإن كان قوي البدن، ولا خير فيمن كان كذلك، وإن بتمام العقل تتم الأمور، ثم أمرهم بالإسلام، واتباع رسول الله ﷺ. فقام مالكُ بنُ نُويرةَ اليربوعي وهو يقول: إن هذا الشيخ قد خَرِفَ، إنه ليدعو إلى الفناء والتعرض للبلاء، فإن أجبتموه فَرَّق جمعكم، وذَلَّل عِزَّكم، وأظهر أضغانكم. وسمعه أَكْثَم فقال: دعوا كلام هذا الأحمق، فويل للشجي من الخَليِّ، إن الحَقَّ إذا قام دمغ الباطل.
وخرج أَكْثَم إلى مكة يريد لقاء رسول الله ﷺ، فلما كان ببعض الطريق عمد ابنه حُبيش إلى الرواحل فنحرها، وإلى المَزادة فشقها، ثم هرب. فمات أَكْثَم بالعَطَش، ولما أيقن بالموت، أوصى من معه باتباع رسول الله ﷺ، وأشهدهم على نفسه أنَّه مسلم.
روي عن عكرمة، عن ابن عباس ﵄ أنَّه نزل فيه: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء: ١٠٠].
ومن كلام أَكْثَم: أوصيكم بتقوى الله، وصلة الأرحام، وإياكم ونكاح الحمقى. وإنَّ العُدْمَ عُدْمُ العقل، لا عُدْم المال. وإنَّ مقتل الرجل بين فكَّيه، وإنَّ قولَ الحق لا يدع لقائِله صديقًا. ومن صَحِبَ الدُّنيا رأى الهوان، وفي طلب المعالي يكون العز، ومن قنع بما هو فيه قَرَّت عينُه. والتغافُلُ من أَخلاق الكرام، والمَنُّ يُذْهِبُ الصَّنيعةَ. ومن ظلم يتيمًا ظلم أولاده، ومن سل سيف البغي أُغْمِدَ في رأسه.
وقال لبنيه: يا بني، ذَلِّلوا أخلاقكم للطالب، وقودوها إلى المحامد، وعلموها المكارم، ولا تقيموا على خُلُقٍ تذمونه من غيركم، وصلوا من رغب إليكم، وتَحلَّوْا بالجود تلبسكم المحبة، ولا تلبسوا البخل فتتعجلوا الفقر.