للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خديجة وهي عند رسول الله بالشِّعب، فتعلق به وقال: أتذهب بالطعام إلى بني هاشم؟! والله لا أبوح حتى أفضحك بمكة. فجاء أبو البَختَري فقال له: خل عن هذا الرجل، فأبى أبو جهل. فضربه أبو البختري بِلَخي جمل فشج أبا جهل، ووطئه وطئًا شديدًا، ورسول الله يوى ذلك، ويدعو إلى الله سرًّا وجهرًا، وليلًا ونهارًا، والوحي يأتيه من الله ولم ينقطع عنه في الشعب.

وفيها: قُبَيْلَ دخولهم الشِّعب وصل الخبر بغلبة فارس على الروم.

قال علماء السير: عزم كسرى على غزو الروم، فاستشار امرأة عاقلة من فارس كانت تلد الملوك، فقالت: هذا فَرُّخان، أحذر من صقر، وأروغ من ثعلب، وأنفذ من سنان، وهذا أخوه شهريار أحلم أهل زمانه، فقال: بها أريد إلا الحلم. فقدَّم شهريار على الجيوش، فأوغل في بلاد الروم قتلًا وأسرًا، وهدم الحصون، وقطع الأشجار، وعاد إلى الشام، فأرسل إليه قيصر رجلًا من بطارقته يقال له: يُحنس، فالتقيا بأَذْرِعات وبصرى، وهي أَننى أرض الشام إلى أرض العرب فغلبت فارسُ الروم، وبلغ الخبر إلى كسرى، ثم إلى مكة فشقَّ ذلك على النبي والصحابة، وكان يكره ظهور الفرس، لأنهم مجوس لا كتاب لهم، والروم لهم كتاب. وفرح كفار قريش بذلك، لأنَّهم عبدة الأوثان مثل الفرس، وقالوا للمسلمين: قد ظهر إخواننا، فلو قاتلناكم لظهرنا عليكم. فأنزل الله تعالى: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣)[الروم: ١ - ٣] الآيات، فخرج أبو بكر إلى الكفار وهو يقول لهم: فرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا، لا تفوحوا فوالله لتظهرَنَّ الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبينا . فقام إليه أُبيُّ بن خَلَف الجُمَحي، فقال: كذبت يا أبا الفضيل. فقال له أبو بكر : أنت أكذب يا عدو الله. فقال: اجعل بيننا أجلًا أُناحِبُك عليه -والمناحبة: المراهنة-، على عشر قلائصَ منِّي وعشر منك، فإن ظهرت الروم على فارس، غَرِمت. ففعلا ذلك، وجعلا الرهن ثلاث سنين، وذلك قبل تحريم القمار.

وأخبر أبو بكر رسول الله بذلك، فقال رسول الله : "إما هكذا ذُكِرَتْ، إنَّما البِضْعُ: ما بينَ الثَّلاثِ إلى التِّسعِ. فَزايِده في الخَطر، ومادَّه في الأجَل" فخرج أبو بكر فلقي أُبيًّا، فقال: لعلك ندمت؟ قال: لا. فقال: تعال أزايدك وأمادَّك في