للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جلس فرخان على السرير، وأطاعه الجند، فناوله إياها. فلما قرأ كتاب كسرى على الجيش، قال شهريار: سمعًا وطاعة، ونزل عن السرير، وسلم الأمر إلى فرخان، فدفع إليه الرسول الصحيفة، فقال: علي بشهريار، فجاء فأمر بقتله فقال له: يا أخي، لا تعجل، ودعا بسفطٍ وأخرج منه ثلاث صحائف من كسرى إليه بقتل فرخان، ثم قال: قد راجعت فيك مرارًا ولم أقتلك، وأردت أن تقتلني بكتاب واحد. فنزل فرخان من السرير، وسلم الملك إليه.

وكتب شهريار إلى قيصر: إن لي حاجة لا تُقِلُّها البُرُدُ، ولا تحملها الصحف، فالقني في خمسين فارسًا. وخرج شهريار في خمسين فارسًا وضُرِبَت لهما قُبَّةٌ، فدخلاها وبينهما تَرجُمان، فقال شهريار: إن الذي أخرب مدائنك، وسبى رعيتك، ودوخ بلادك، أنا وأخي، كان الخبيث كسرى حسدنا، وأغرى بيننا، وعرَّفه الخبر، ونحن نقاتله معك، ونملَكُك داره وملكه، فَسِر معنا. فقال: أصبتما، ثم أشار كل واحد منهما إلى صاحبه بأن السر متى جاوز اثنين شاع.

فقتلا التَّرجُمان، وساروا جميعًا نحو المدائن يخربون أرض فارس ويقتلون. ومات كسرى، وأُديلت الروم على فارس، وجاء الخبر يوم الحديبية إلى رسول الله ﵁، ففرح ومن معه، فذلك قوله ﷾: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ (٢)﴾ الآيات (١).

وقرأ أبو عمرو، وأبو سعيد الخدري، والحسن، وعيسى بن عمر: "غلَبَتِ الروم" بفتح الغَين، و"سَيَغْلُبون" بضم اللام (٢) وفتح الياء.

قالوا: نزلت هذه الآية حين أخبر الله نبيه ﵁ عن غلبة الرومِ فارسَ، وأن المسلمين يغلبونهم في بضع سنين، وعند انقضاء هذه المدة، أخذ المسلمون في التأهب لجهاد الروم، وكان أبوالدرداء يقول: سيأتي قوم يقرأون: "غَلَبت الروم" بالفتح، وإنما هي: ﴿غُلِبَتِ﴾ بالضم، ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ يعني من قبل دولة الروم على فارس، ومن بعدها (٣).


(١) انظر "تاريخ الطبري" ٢/ ١٨٢ فما بعدها، و"المنتظم" ٢/ ٣١٩ - ٣٢٠.
(٢) في (ك): "الباء"، وانظر تفسير الطبري ١٨/ ٤٤٦، والبحر المحيط ٧/ ١٦١.
(٣) جاء بعدها في (خ): "يعني من قبل ذلك".