للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كاذبًا على الله، فما ينبغي أن أكلمك.

فقام رسول الله وقد يئس من خير ثقيف، وأغْرَوا به عبيدَهم وصبيانَهم يسبُّونه ويصيحون عليه حتى اجتمع عليه الناس، وألجؤوه إلى حائط لعتبة وأخيه شيبة ابني ربيعة وهما فيه، فعمد إلى ظل حُبْلَةٍ، فجلس في ظلها وشيبة وعتبة ينظران إليه، ويريان ما يلقى من سفهاء ثقيف، فبكى رسول الله وقال: "اللَّهم إِنِّي أَشْكُو إليكَ ضعفي وقِلَّة حِيلَتي وهوَاني على النَّاس، [يا أرحم الرَّاحِمين، أنتَ ربُّ المُستَضعفين، وأنت ربِّي، فإلى مَن تكِلُني، [إلى بَعيد يَتَجَهَّمني أم إلى عدوٍّ ملّكته أَمري] فإنْ لَم يَكُن منكَ عليَّ غضبٌ فلا أبالي [ولكن عافيتك هي أوسع لي]، أعوذ بنور وجهكَ الذي أشرقَت له السماواتُ، وأضاءت به الظلماتُ، وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أَنْ يَنْزلَ بي غَضَبُك، أو يَحِل عليّ سَخَطُك، [لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك] وهو يبكي، فلما رأى ابنا ربيعة ذلك، تحركت له رَحِمُهما، فَدَعَوا غلامًا لهما يقال له: عَدَّاس، نصرانيًّا، فقالا: خذ قِطْفًا من العنب فضعه في طبق، واذهب به إلى ذلك القاعد، فضَعه بين يديه، ففعل ذلك عَدّاس، فمد رسول الله يده وقال: "بسمِ الله". وسمعه عدَّاس، فنظر إليه وقالا: والله إن هذا كلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله : "فمن أنت، وما دينُك؟ " قال: نصراني، من أهل نينوى. قال: "من قَريةِ العَبدِ الصَّالح يُونُس بنِ مَتَّى" قال: نعم وما يدريك ما يونس؟ فقال: "ذاك أخي، كان نبيًّا، وأنا نبيٌّ". فأكبَّ عدَّاسٌ يقبِّل يديه ورجليه، فقال عتبة لأخيه شيبة: أفسد عليك غلامك. فلما جاءهما، قالا له: ويحك، ما هذا؟ فقال: والله ما في الأرض رجل خير من هذا، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا الله أو نبي. فقالا: ويلك، لا يصرفك عن دينك، فدينك خير من دينه (١).

قالت عائشة : قلت: يا رسول الله، هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟


(١) انظر "السيرة" لابن هشام ٢/ ٤٧ - ٤٨، و"تاريخ الطبري" ٢/ ٣٤٤، و"المنتظم "٣/ ١٣ - ١٥، وما بين معقوفتين زيادة من المصادر.