ثم ألهمني أن قلت: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] الآية، لا نفرق بين أحد من رسله كما فرقت اليهود والنصارى. قال: فماذا قالوا؟ قلت: قالوا: سمعنا وعصينا، والمؤمنون قالوا: سمعنا وأطعنا. قال: صدقت، فسل تعطه؟ فقلت: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾. قال: رفعت عنك وعن أمتك الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. قلت: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَينَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ يعني اليهود. قال: لك ذلك ولأمتك. قلت: ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ قال: فعلت. ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا﴾ قال: قد فعلت.
ثم فرض علي خمسين صلاة كل يوم، فلما عهد إليَّ بعهده؛ تركني عنده ما شاء، ثم قال: ارجع إلى قومك، فبلغهم عني، فحملني على الرفرف الأخضر إلى أن انتهيت إلى سدرة المنتهى، وجبريل ﵇ عندها، فقال لي: يا محمد، أنت خير خلق الله، حباك الله بما لم يَحْبُ به أحدًا من خلقه، وبَلَغْتَ مكانًا ما وصل إليه سواك من أهل السماوات وأهل الأرض.
وفيه: أنه انطلق به إلى الجنة، فأراه إياها، ووصف من قصورها وحورها وولدانها وما فيها، وأراه شجرة طوبى ووصفها، ثم أراه السلاسل والنار وما فيها، ثم إنه على موسى ﵇، وردده في الصلوات، وأنه عاد إلى الله تعالى، وسأله حتى أبقى خمسًا. وذكر أنه عاد إلى مكة (١).
وقال ابن عباس: وفقَدَت قريش رسول الله ﷺ في تلك الليلة، وتفرق بنو عبد مناف في طلبه، وخرج العباس ﵁ حتى بلغ ذا طُوى، وجعل يصرخ: يا محمد، يا محمد. فأجابه رسول الله ﷺ:"لبيك لبيك". فقال: يا ابن أخي، عَنَيتَ قومك منذ الليلة، فأين كنت؟ قال:"كنت بالبيت المقدس". قال: من ليلتك هذه؟ قال:"نعم". قال: فما أصابك إِلّا خَيرٌ؟ قال:"نعم".
وقال ابن عباس ﵄: قال رسول الله ﷺ: لما كانت ليلة أسري بي وأصبحت بمكة، عَرَفْتُ أن الناس لا يصدقوني، فضقت بأمري ذرعًا، وقعدت معتزلًا حزينًا