وفي هذه السنة لقي رسول الله ﷺ جماعةً من الأوس والخزرج، فآمنوا به.
قال الواقدي: قدم جماعة منهما إلى الحج، فانتهى رسول الله ﷺ إلى فريق منهم، فقرأ عليهم القرآن، فدعاهم إلى الله، فآمنوا.
قال ابن إسحاق: قدم أبو الحَيْسر بن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحِلف من قريش على قومهم من الخزرج، لِما كان بينهم من الحرب، فسمع بهم رسول الله ﷺ فأتاهم، وقال لهم:"هل لَكُم إلى خَيبر مما جِئتُم له"؟ قالوا: وما ذاك؟ قال:"تَعبدونَ الله وتُوحِّدونَه" وقرأ عليهم القرآن، فقال إياس بن معاذ وكان حدثًا عاقلًا: أي قوم، والله إن هذا لخير مما جئتم له. فأخذ أبو الحَيْسَر حفنة من البطحاء، فضرب بها وجه إياس وقال: دعنا من هذا، فلعمري لقد جئنا إلى غيره. فصمت إياس، فقال أبو الحيسر: جئنا نطلب حلف قريش على أعدائنا، فنرجعُ وقريشٌ أعداؤنا، وقام عنهم رسول الله ﷺ، ورجعوا إلى المدينة. وكانت وقعة بُعاث بين الأوس والخزرج.
كذا وقعت هذه الرواية: أن وقعة بُعاث كانت في هذه السنة، وقد تقدم أنها كانت قبلها، والله أعلم.
فيقال: إن إياس بن معاذ أول من أسلم، ومات يوم بعاث مسلمًا لما سمع رسول الله ﷺ، فكان عند موته يكبِّر ويهلل (١).
واختلفوا في أول الأنصار إسلامًا، على أقوال:
أحدها: إياس بن معاذ، قاله ابن إسحاق.
والثاني: أسعد بن زُرارة، وذَكْوان بن عبد قيس، قدما مكة يتنافران إلى عتبة بن ربيعة، فلما اجتمعا به -وكان رسول الله ﷺ قائمًا يصلي في المسجد-، فأشار إليه عتبة، وقال: لقد شغلنا هذا المصلي عن كل شيء، يزعم أنه رسول الله، وكان أسعد بن زرارة وأبو الهيثم بن التَّيِّهان يتكلمان في التوحيد بيثرب، ويسمعان من أحبار اليهود
(١) انظر "السيرة" لابن هشام ٢/ ٥٣ - ٥٤، و"الطبقات الكبرى" ٣/ ٤٠٤، والطبراني في "الكبير" (٨٠٥) والحاكم ٣/ ١٨٠، والبيهقي في "الدلائل" ٢/ ٤٢٠ - ٤٢١. وقال الحافظ في "الإصابة" ١/ ٩١: رواه جماعة عن ابن إسحاق هكذا، وهو من صحيح حديثه. وبعاث يقال بالعين وبالغين.