للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما نزلت قريشٌ الجُحْفَةَ، قال جُهَيْم بنَ الصلْتِ بن مَخْرَمة بن المطلب: رأيت فيما بين النائم واليقظان رجلًا أقبل على فرسه ومعه بعير، فقال: قُتل شيبة، قُتل عُتبة، قتل فلان وفلان، حتى عدد رجالًا قتلوا في ذلك اليوم، قال: ورأيته ضرب بعيره في لبَّته، ثم أرسله في العسكر، فلم يبق خباء من الأخبية إلا أصابه نَضْح من دمه، فأخبر الناسَ بما رأى، فقال أبو جهل: هذا نبي آخر، ستعلم غدًا إذا التقينا مَن المقتولُ.

وأرسل أبو سفيان من مكة إلى قريش: قد أحرز الله عِيركم وأموالكم فارجعوا، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نَرِدَ بدرًا، وكان الأَخْنَسُ بن شَريق حليفُ بني زهرة قد خرج بهم، ثم أَفْكَرَ، فقال: يا بني زُهْرةَ، قد أنجى الله أموالكم ولا تسمعوا قول هذا المائق، واعصبوا جُبْنَها بي، ثم رجع وكانوا مئة (١).

وفيه يقول ابن أبي الزَّغباء (٢): [من الرجز]

أَقِم لها صُدورَها يا بَسْبَسُ

إنَّ مطايا القوم لا تُحَبَّسُ

وحَمْلُها على الطريق أكيسُ

قد صنع الله وفرَّ الأَخْنَسُ

ولما رجع الأخنس لقيه أبو سفيان بمَرِّ الظَّهْران، فقال: لم رجعتم، لا في العير ولا في النفير، فذهبت مثلًا. فقال له الأخنس: أنت بعثت إلى قريش لترجع، وأبلغه ما قال أبو جهل، فقال له أبو سفيان: واقَوْماه، هذا من عمل عمرو بن هشام يعني أبا جهل، ثم لحق أبو سفيان ببدر، فقاتل مع الكفار قتالًا شديدًا، وجُرِحَ جِراحاتٍ كثيرةً، وهرب إلى مكة ماشيًا (٣).

ونزل رسول الله ببدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان.

ونزلت قريش العُدْوَة القصوى من الوادي خلف الكثيب، ورسول الله بالعُدْوَة


(١) انظر "السيرة" ٢/ ١٩٠، و"المنتظم" ٣/ ١٠٢.
(٢) البيتان في "السيرة" ٢/ ٢٠٧، و"المغازي" ١/ ٤٥.
(٣) انظر "الطبقات الكبرى" ٢/ ١٣.