للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ففزع أمية ورجع إلى أهله، فقال لها: يا أم صفوان، ألم تَرَي إلى ما قال سعد، وأخبرها بما قال، وقال: والله لا أخرج من مكة أبدًا. فلما كانت يوم بدر، لا زال به أبو جهل حتى أخرجه، وقال له: يا أبا صفوان، إنك متى ما رأى الناس قد تخلَّفْتَ وأنت سيد أهل هذا الوادي تخلفوا معك، فلم يزل به حتى قال: أما إذ غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير بمكة، ثم قال أمية: يا أم صفوان، جهزيني للخروج، فقالت: أنسيت قوْلَ أخيك اليثربي؟ فقال: لا، ما أكون معهم إلا قريبًا، فخرج معهم فقتل ببدر (١)، قتله خُبَيْبُ بن يَساف، واتفقوا على أن بلالًا كان سبب قتله.

قال عبد الرحمن بن عوف: كاتبت أمية بن خلف كتابًا على أن يحفظني في صاغيتي بمكة، وأحفظه في صاغيته (٢) بالمدينة، فلما ذكرت عبد الرحمن، قال: لا أعرف عبد الرحمن، كاتِبْني باسمك الذي كان في الجاهلية، فكاتبته عبد عمرو، فلما كان يوم بدر خرجت لأُحْرِزه فأبصره بلال، فخرج حتى وقف على مجلِس من مجالس الأنصار، وقال: يا معاشر الأنصار، هذا أمية بن خلف لا نجوت إن نجا. فخرج مع فريق من الأنصار في آثارنا، فلما خشيت أن يلحقونا، خلَّفت لهم ابنه لأَشْغَلَهم به فقتلوه، ثم لحقونا -وكان أمية رجلًا ثقيلًا-، فقلت له: انزل، فنزل، فألقيت عليه نفسي لأمنعه فتخلَّلوه بالسيوف حتى قتلوه من تحتي، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه، فكان عبد الرحمن يريهم ذلك الأثر في قدمه (٣).

قال الواقدي: فلما سقط أمية على ظهره، أقبل الحُباب بن المنذر فأدخل سيفه فقطع أنف أمية، وجاء إليه خُبيب بن يساف فضربه حتى قتله، وكان أمية قد ضرب يد خُبيب حتى قطعها من المنكب، فأعادها رسول الله فالتحمت، ثم تزوج خُبيب بن يَساف بعد ذلك ابنة أبي بن خلف، فقالت: لا يَشْلل الله يدًا فعلت بك هذا، فيقول حبيب: والله لقد أوردته شَعُوب (٤).


(١) أخرجه البخاري (٣٩٥٠).
(٢) الصاغيةُ: كلَّ من ألمَّ بالرجل من أهله. لسان العرب: (صغا).
(٣) أخرجه البخاري (٢٣٠١).
(٤) "المغازي" ١/ ٨٣، والشعوب: الموت.