للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القوم، فكلِّم صاحبك فيَّ عسى أن يجعلني كواحدٍ من أصحابي. فقال: إنك قلت كذا وفعلت كذا. فقال: يا مصعب ليس هذا بحين عتاب، فوالله لو أسرتك قريش لدافعت عنك، فقال مصعب: إن الإسلام قطع بيننا وبينكم العهود، فقتله علي -رضوان الله عليه- بالأُثَيل (١)، فقالت أخته قُتَيلَةُ (٢): [من الكامل]

يَا راكِبًا إنَّ الأُثَيلَ مَظِنَّةٌ … مِن صُبْحِ خامسةٍ وأَنتَ مُوَفَّقُ

أَبْلِغ بها مَيتًا هناك تحيةً … ما إنْ تَزالُ بها الرَّكائِبُ تَخْفِقُ

منِّي إليه وعَبْرةً مسفوحةً … جَادَت لسَافِحها وأخرى تخنُقُ

هل يسمعنِّي النَّضْرُ إن نادَيتُه … أَم كيفَ يَسمَعُ ميِّتٌ أو يَنطقُ

قولا لأحمدَ أَنت ضِنْءُ كَريمةٍ … لنجيبةٍ والفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ (٣)

ما كان ضَرَّك لو مَنَنْتَ وربَّما … مَنَّ الفتى وهو المغِيظُ المُحْنَقُ

والنَّضُر أَقربُ مَنْ قَتَلْتَ قَرابةً … وأَحقُّهم إن كان عِتْقٌ يُعْتَقُ

ظلَّت سُيوفُ بني أبيه تَنوشُه … لله أَرحامٌ هناك تَشَقَّقُ (٤)

قَسْرًا يقاد إلى المنية متعبًا … رَسْفَ المُقَيَّد وَهْوعانٍ موثَقُ (٥)

فَيُقال: إن رسول الله لما بلغه هذا الشعر قال: "لو سمعتُه قبل قتله لما قتلتُه" (٦).

وسبق رسولَ الله الأسرى إلى المدينة بيوم، وقال للذين معهم: "استوصوا بهم خيرًا" (٧)، واستعمل عليهم شُقْران مولاه (٨).


(١) "المغازي" ١/ ١٠٦ - ١٠٧، وانظر "أنساب الأشراف"١/ ١٦١.
(٢) جعل المصنف قتيلة أخت النضر بن الحارث تبعًا لابن إسحاق كما في "السيرة" ٢/ ٢٨٥، والصواب أنها ابنته، قال السهيلي في "الروض" ٢/ ١١٩: الصحيح أنها بنت النضر لا أخته، كذلك قال الزبير وغيره. انظر "نسب قريش"ص ٢٥٥، و"الإصابة" ٤/ ٣٨٩.
(٣) الضنء: الأصل. والمعرق: الكريم.
(٤) تنوشه: تتناوله.
(٥) الرسف: المشي الثقيل، والعاني: الأسير.
(٦) "السيرة" ٢/ ٢٨٥.
(٧) أخرجه الطبراني في "الكبير" ٢٢ / (٩٧٧)، وفي "الصغير" (٤٠٩) من حديث أبي عزير بن عمير أخي مصعب بن عمير. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٦/ ٨٦، وقال: إسناده حسن.
(٨) "المغازي" ١/ ١١٦.