للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها: كان مقتل أَبي رافِع اليهودي (١)، واسمه سلام، وكان يسكن خيبر، قال عبد الله بن كعب بن مالك: كان مما صنع الله تعالى لرسوله أَن هذين الحيين يعني الأوس والخزرج كانا يتصاولان تصاول الفحلين؛ لا تصنع الأوس شيئًا إلّا قالت الخَزْرج: والله لا ندعهم يذهبون بالفضل علينا، فلا ينتهون حتى يفعلوا مثله، فلما قَتَلتِ الأوس كعب بن الأشرف استأذن الخزرج رسول الله في قتل أبي رافع ليعادلوا به كعبًا، فأذن لهم في قتله وقال: "لا تَقتُلُوا امرَأَةً ولا وَليدًا" فخرجوا حتى قدِموا خيبر فقتلوه، ونَذِرَتْ بهم امرأة فأرادوا قتلها، فذكروا قول رسول الله فتركوها، وفي ذلك يقول حسان بن ثابت: [من الكامل]

لله درُّ عِصابَةٍ لاقَيتَهُم … يابنَ الحُقَيق وأنت يابن الأَشْرفِ

يَسْرُونَ بالبِيضِ الخِفاف إليكم … شُزُرًا كأُسْد في عَرينٍ مُغْرف (٢)

حتى أَتَوْكم في مَحَلِّ بلادكم … فسقوكمُ حتفًا ببيضٍ ذُفَّفِ (٣)

مُستَبصرين لِنَصرِ دِينِ نبيِّهم … مُسَتضعفينَ لكلِّ أمرٍ مُجحِفِ (٤)

وقال البراء بن عازب: بعث رسول الله إلى أبي رافع اليهودي رجالًا من الأنصار، وأَمَّرَ عليهم عبد الله بن عَتِيك، وكان أبو رافع يؤذي النبي ، وكان في حصن له بأرض الحجاز، فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بِسَرْحهم، قال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم فإنِّي مُنطلق ومتلطف للبواب لعلي أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنَع بثوبه كأنه يقضي حاجة وقد دخل الناس، فهتف به البواب: يا عَبْدَ الله، إن كنت تريد تدخل فادخل فإني أُريدُ أن أُغلِقَ الباب، قال:


(١) "السيرة" ٣/ ١٧٠، و"المغازي" ١/ ٣٩١، و"الطبقات الكبرى" ٢/ ٨٧، و"تاريخ الطبري" ٢/ ٤٩٣، و"المنتظم" ٢/ ٢٦١، واسمه سلام بن أبي الحقيق، اختلف في سنة قتله فعند المصنف والطبري مقتله في هذه السنة، وعند الواقدي في سنة أربع، وعند ابن هشام في سنة خمس بعد غزوة الخندق، وعند ابن سعد وابن الجوزي في سنة ست، وانظر الاختلاف في "تاريخ الطبري" ٢/ ٤٩٣ - ٤٩٩.
(٢) بالبيض الخفاف: السيوف، مغرف: ملتف الشجر.
(٣) ذفف جمع ذفيف: وهو السريع الخفيف.
(٤) في (ك): "مستنصرين لدين نبيهم". وفي المصادر: "مستبشرين" والمثبت من (أ) و (خ)، ومجحف: الذي يذهب بالنفوس والأموال.