للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن إسحاق: اجتمع إليه ثلاثون رجلًا فحموه، وكشفوا الكفار عنه، ورمى سعد بن أبي وقاص بالنبل حتى انكسرت سِيَةُ قَوْسِه، وأصيبت يدُ طَلْحَة بن عبيد الله؛ وقى بها رسول الله ، فصار أشلَّ، وكان الذي رماه مالك بن زهير الجشمي، وكان قَصْدُه رسول الله ، فاتقاه طلحة بيده، فأصاب السهم خِنْصَرَه فَشُلَّ، فقال: حَسِّ، فقال رسول الله : "لَو قال بِسمِ الله ولَم يَقُلْ حِسِّ دَخَل الجنَّة والنَّاسُ يَنظُرونَ إليه" (١).

وَنَثَل رسول الله كِنانته لسعد بن أبي وقاص وقال: "ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وأُمي". وقال سعد بن أبي وقاص : كان رجل من المشركين قد أحرق قلوب المسلمين، فرميته بسهم فأصبت جنبه، فوقع فبدت عورته، فضحك رسول الله (٢).

وقال أنس: لما كان يوم أحد انهزم المسلمون عن رسول الله ، وأبو طلحة مُجَوِّبٌ عليه بحَجَفَتِه، وكان أبو طلحة راميًا شديد النزع، وقد كَسَر يومئذ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يمر ومعه الجعبة من النبل، فيقول له رسول الله : "انْثُرها لأَبي طَلحَةَ"، ويُشْرِفُ رسول الله يَنْظُرُ إلى القوم، فيقول أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا يصيبك سهمٌ من سهامهم، نَحري دون نحرك.

قال: ولقد رأيت عائشة وأمَّ سُلَيم لمشمِّراتٍ أرى خَدَمَ سوقهن، ينقلان القِرَبَ على مُتونِهن يُفْرِغانها في أفواه القوم، ولقد وقع سيف أبي طلحة من يده مرتين أو ثلاثًا، يعني لما يلقى من النعاس. متفق عليه (٣).

وقال الزبير بن العوام : لقد رأيتني مع رسول الله حين اشتد الخَوْفُ علينا يوم أحد، أرسل الله علينا النوم، وإني لأسمع قول مُعَتِّبٍ والنعاس يغشاني، فما أسمعه إلا كالحلم يقول: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا، فحفظتها منه (٤).


(١) أخرجه الحاكم ٣/ ٤١٦ من حديث طلحة بن عبيد الله، وانظر "المغازي" ١/ ٢٥٤، و"تاريخ الطبري" ٢/ ٥٢٠. وسية القوس: ما عطف من طرفيها.
(٢) أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ٢٠/ ٣٠٧ من حديث سعد.
(٣) أخرجه البخاري (٣٨١١)، ومسلم (١٨١١). ومجوب عليه: مترس عنه ليقيه السلاح، والخدم: الخلخال.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٤/ ١٨٠، والبيهقي في "دلائل النبوة" ٣/ ٢٧٣.