للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خُبَيْب بن عدي الأنصاري من بني عمرو بن عوف، من الطبقة الأولى من الخزرج، لما أُسر على ما تقدم، وقدم مكة ابتاعه بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف. وكان خبيب قد قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث عندهم أسيرًا حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى ليستَحِدَّ بها فأعارته، فدرج لها ابنٌ صَغيرٌ وهي غافِلَةٌ عنه حتى أتاه، فأخذه فوضعه على فخذه والموسى بيده، ففزعت المرأة فَزْعةً عرفها خُبيب وقالت: أصاب الرجلُ واللهِ ثأرَه. فقال خُبيب: أتحسبين أَني أقتله؟ قالت: نعم. فقال: ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله، ليس الغَدْرُ من شأنِنا. وكانت المرأة تقول: والله ما رأيت أسيرًا قط مثلَ خُبَيب، لقد رأيته يومًا يأكل قِطْفًا من عنب في يده، وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لرزق الله ساقه الله إليه، وإنه لمُوْثَقٌ في الحديد. فلما خرجوا به من الحَرَم ليقتلوه في الحِلِّ، قال لهم: دعوني أصلي ركعتين. فتركوه، فركع ركعتين وقال: والله لولا يحسبوا أن ما بي جَزَعٌ من الموت لزدت ثم قال: [من الطويل]

ولستُ أُبالي حين أُقْتَلُ مُسلِمًا … على أي جَنْبٍ كان في الله مَصرَعي

وذلك في ذاتِ الإلهِ وإنْ يَشَأْ … يُباركْ على أَوصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

ثم قال: اللهمَّ أحصهم عددًا، واقتلهم بدَدًا، ولا تبق منهم أحدًا. فقام إليه عقبة بن الحارث وكنيته أبو سِرْوَعةَ فقتله، وكان خُبَيْبٌ هو الذي سنَّ الصلاة لكل مسلم قُتِلَ صَبْرًا. وأَخبرَ رسولُ الله أصحابَه يومَ أُصيبوا خَبَرهم (١).

ثم أسلم أبو سِرْوعة بعد ذلك وحسن إسلامه.

وقال سعيد بن عاصم: شهدت مصرعَ خُبيب، وقد بَضَعَت قريشٌ لحمَه وحملوه على جِذْع، وقالوا: أتحب أن محمدًا مكانك؟ فقال: والله ما أحب أني في أهلي وولدي، وأن محمدًا شِيكَ بشوكة، ثم نادى: وامحمداه، فقتلوه (٢).

وعن جعفر بن أمية، عن أبيه قال: بعثني رسول الله وحدي عينًا إلى قريش، فجئت إلى خشبة خُبَيْب وأنا أتخوف العيون فَرَقِيتُ فيها، وحَلَلتُ خُبيبًا فوقع إلى الأرض، فانتبذت غير بعيد، ثم التفتُّ فلم أر خبيبًا وكأنما ابتلعته الأرض، فلم ير


(١) أخرجه البخاري (٣٩٨٩) من حديث أبي هريرة .
(٢) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" ١/ ٢٤٦.