للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِسْطَح قِبَلَ المناصِعِ وهو مُتَبَرَّزُنا، وكنَّا لا نخرج إلا ليلًا إلى ليلٍ، وذلك قَبلَ أن نَتَّخِذَ الكُنُفَ قريبًا من بيوتِنا.

فانطلقتُ أنا وأُمُّ مِسْطَح - وهي ابنة أبي وُهْم بن المُصَّلب بن عبد مناف، وأُمها بنت صخر بن عامر، خالةُ أبي بكرٍ الصديق، وابنها مِسْطَح بن أُثاثة بن عبَّاد بن المطَّلب - وأَقبلنا قِبَل بيتي حين فَرَغنا من شأنِنا، فعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَح في مِرطِها فقالت: تَعِسَ مِسْطَح، فقلتُ لها: بئسَ ما قُلتِ! أَتَسُبِّين رجلًا قد شهد بدرًا؟ فقالت: ألم تسمعي يا هَنَتاه ما قال؟ قلتُ: وما ذاك؟ فأخبرَتْني بقولِ أَهلِ الإفكِ، فازدَدْتُ مَرَضًا على مرضي، فلمّا رجعتُ إلى بيتي، دخل عليَّ رسول الله فقال: "كيفَ تيكُم"؟ فقلت: أَتَأذَنُ لي أَن آتي أَبَوَيَّ؟ وأنا أُريدُ أن أتيقَّنَ الخبرَ منهما، فأذِنَ لي فجئتُ أَبويَّ فقلتُ لأُمي: يا أُمَّاه، ماذا يتحدَّثُ الناسُ؟ فقالت: يا بُنيَّةُ، هوِّني عليكِ، فوالله لقلَّما كانت امرأةٌ قطُّ وَضيئة عند رجلٍ يحبُّها ولها ضرائر إلاّ أَكثرن عليها، فقلتُ: سُبحان الله، أَوَ قَدْ تحدَّث الناسُ بهذا؟ قالت: نعم.

فبكيتُ ليلتي حتى أَصبحتُ، لا يَرْقَأُ لي دمعٌ ولا أكتَحِلُ بنومٍ، وأَصبحتُ أَبكي، فدعا رسولُ الله عليَّ بنَ أَبي طالبٍ وأُسامةَ بن زَيدٍ حين استلبث الوحيُ يستشيرُهما في فِراق أَهله، فأما أُسامةُ فأشار عليه بما يعلمُ من براءة أَهله، وبالذي يعلمُ في نفسِه من الوُدَّ لهم وقال: يا رسولَ الله، هم أهلُك ولا نعلمُ إلا خَيْرًا، وأما علي فقال: لم يُضيّقِ الله عليكَ، النساءُ سواها كثير، وإن تسألِ الجاريةَ تَصْدُقْكَ، قالت: فدعا رسولُ الله بَرِيْرةَ وقال لها: "هَلْ رَأَيتِ من عَائشةَ ما يَريبُكِ"؟ فقالت: لا والذي بعثك بالحقِّ، إنْ رَأيتُ منها أَمرًا أغْمِصُه عليها أكثرَ من أنّها جاريةٌ حديثةُ السنَّ، تنامُ عن عجينِ أَهلها، فيأتي الدَّاجنُ فيأكلُه.

فقام رسول الله من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أُبيِّ فقال: "يَا مَعَاشرَ المُسلِمينَ، من يَعْذِرُني مِن رَجُلٍ قَد بَلَغَني أَذاهُ في أَهْلِي، وواللهِ مَا عَلِمتُ على أَهْلِي إلَّا خَيرًا، [ولَقَد ذَكَروا رَجَلًا مَا] كانَ يَدخُلُ على أَهْلِي إلَّا مَعي، ومَا عَلِمتُ عليه إلَّا خَيرًا" فقام سعد بن معاذ الأنصاري أحدُ بني عبد الأشهل فقال: يا رسولَ الله، أنا أُعذرك منه، إنْ كان من الأَوسِ، ضربنا عُنُقَه، وإن كان من إخواننا الخزرج، أَمَرْتنا