للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى هَؤلاءِ القَومِ فَيأتِينَا بخَبرهِم، أَدخَلَه الله الجنَّةَ" فما قام أحد منا من الخوفِ والبردِ والجوعِ، فعل رسولُ الله ذلك ثلاثًا. فلما لم يقم أحدٌ، دعاني فقال: "قُم يا حُذيفةُ" فلم يكن لي بُد من القيام حين دعاني، فقلت: لبيك يا رسول الله، وقمت حتى أتيته وإن جَنْبَيَّ ليضربان، فمسح على رأسي ووجهي ثم قال: "ائتِ هَؤلاءِ القومَ حتى تأتيَني بخبرهم، ولا تُحدِثَنَّ شيئًا حتى تَرجِعَ إليَّ ثم دعا لي فقال: "اللهمَّ احفظهُ من بَين يَدَيْه ومِن خَلفِهِ، وعن يَمينِهِ وعن شِمَالِهِ، ومِن فَوقِهِ ومِن تَحتِهِ".

قال: فشددت عليّ أَسلابي، وأخذت قوسي وأَسْهُمي، وانطلقت أمشي كأنما أمشي في حَمَّامٍ حتى دخلت في القوم، وأرسل الله عليهم ريحًا قَطَعَتْ أَطنابَ خيامهم، وذهبت خيولهم، فلم تدع لهم شيئًا حتى أهلكته، وأبو سفيان قاعد يصطلي، فأخذتُ سهمًا ووضعتُه في كَبِد قَوْسي وأردتُ أن أرميَهُ، فذكرتُ قولَ رسول الله : "لا تُحدِثَنَّ حَدَثًا حتى ترجعَ" فرددت سهمي إلى كنانتي، فلما رأى أبو سفيان ما تفعل الريحُ وجنودُ الله بهم، قام فقال: يا معاشر قريش، ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلينظر من هو، فأخذت بيد جليسي فقلت: من أنت؟ فقال: سبحان الله ما تعرفني؟! أنا فلان بن فلان، فإذا هو رجل من هَوازن، فقال أبو سفيان: يا معاشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مُقام، ولقد هلك الكُراع والخُفُّ، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلَغَنا عنهم الذي نكره، ولقينا من هذا الريح ما ترون، فارتحلوا فإني مرتحل.

ثم قام إلى جَمَلِهِ وهو معقول فجلس عليه، ثم ضربه فوقف على ثلاث قوائم، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم، وسمعتْ غطفانُ بما صنعت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم، وهزم الله الأحزاب، فرجعتُ إلى رسول الله فأخبرته الخبر، فضحك حتى بدت ثناياه في سوادِ الليل، وذهب عني الدَّفْءُ، فأدناني رسول الله فأنامَني عند رجليه، وألقى عليّ طرف ثوبه، وألزق صدري ببطن قدمه (١).

وقد أخرج مسلم بمعناه عن حذيفة فقال فيه: فقال رسول الله : "قُم يا حُذَيفَةُ" فلم أجد بُدًّا إذ دعاني باسمي إلَّا أن أقوم، فقال: "لا تَذْعَرْهُم"، قال: فأردت أن أَرْميَ


(١) "السيرة" ٢/ ٢٣١ - ٢٣٣، و"المغازي" ٢/ ٤٨٨ - ٤٩٠، و"تاريخ الطبري" ٢/ ٥٧٩ - ٥٨٠.