للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال جابر: رُمِيَ سعدُ بنُ معاذٍ يومَ الأحزاب فَقُطِعَ أكحلُه، فحسمه رسول الله بالنار، فحسمه أخرى فانتفخت يده فنزفه، فلما رأى ذلك قال: اللهمَّ لا تُخرجْ نفسي حتى تُقِرَّ عيني من بني قريظة. فاستمسك عِرْقُه فما قطر منه قطرة، فلما نزلوا على حكمه - وكانوا أربع مئة - فَقُتِلوا، انفتق عِرْقُه فمات (١).

وقالت عائشة رضوان الله عليها: انفجر جرح سعد وقد كان برأ، فحضره رسول الله وأبو بكر وعمر، والذي نفسي بيده إني لأَعْرِفُ بكاء أبي من بكاء عمر. قيل لها: فكيف كان رسول الله يصنع؟ قالت: كانت عيناه لا تدمعان على أحد ولكنه إذا وَجِدَ فإنما هو آخذ بلحيته (٢).

وقال ابن إسحاق: إنما توفي سعد قبل قتل بني قريظة وقسمة أموالهم، ويقال: مرت به عَنْز وهو مضطجع في المسجد فأصابت جُرحه، فما رَقَأ حتى مات. (٣)

وقال الواقدي: كانت وفاتُه في ذي القعدة وهو ابن سبع وثلاثين سنةً، وصلى عليه رسول الله ، وحمل جِنازته بين العَمودَيْنِ مقدار ثلاثين ذراعًا، وحفروا قبره فوجدوا منه رائحة المسك، ودفن بالبقيع (٤).

وعزّى رسول الله أمه فيه وقال لها: "ابنك أول من ضحك الله إليه" (٥).

وقال ابن سعد، يرفعه إلى رجل من الأنصار قال: لما قَضى سعدٌ في بني قريظة ثم رجع، انفجر جرحه، فبلغ ذلك النبيَّ فأتاه فأخذ رأسه فوضعه في حِجره، وسُجِّيَ بثوب أبيض إذا مُدَّ على وجهه خرجت رجلاه، وكان رجلًا أبيضَ جسيمًا، فقال رسول الله : "اللهمَّ إنَّ سَعْدًا قد جَاهَدَ في سَبيلِكَ، وصَدَّقَ رَسولَكَ، وقَضَى الذي عَليه، فَتقبَّلْ رُوحَهُ بِخَيرِ ما تَقَبَّلْتَ بهِ رُوحًا". وسمع سعد كلام رسول الله ففتح


(١) أخرجه مسلم (٢٢٠٨) مختصرًا، والترمذي (١٥٨٢)، وأحمد في "مسنده" (١٤٧٧٣).
(٢) "الطبقات الكبرى" ٣/ ٣٩١.
(٣) لم نقف عليه في "السيرة" ولا غيرها من المصادر التي تأخذ عن ابن إسحاق، وأورده ابن سعد في "الطبقات" ٢/ ٧٣.
(٤) "المغازي" ٢/ ٥٢٧ - ٥٢٨.
(٥) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢٧٥٨١) من حديث أسماء بنت يزيد بن السكن.